ومما يسألون عنه أن يقال لهم: خبرونا عن قول الله سبحانه فيما حكى عن أهل جهنم من القول حين يقول: { ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون قالوا ربنا غلبت علينا شقوتنا وكنا قوما ضالين } [المؤمنون: 105]، فذكر إقرارهم على أنفسهم بأن الفسق والمعاصي كانت منهم، ونفاها عن نفسه أن يكون قضى بها عليهم، بل قال واحتج في ذلك عليهم بقوله: { ألم تكن آياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون } [المؤمنون: 105]، فأخبر أن الأمر بالطاعة لهم، ونهيه إياهم عن المعصية كان في حياتهم منه إليهم، فأبوا واتبعوا الهوى، وتركوا ما به أمرهم ربهم من اتباع الهدى. ولو كان ذلك من الله نزل بهم لقالوا: ربنا غلب علينا قضاؤك؛ ولم يقولوا: { غلبت علينا شقوتنا{ . فإن قالت المجبرة: إن قضاء الله الذي منعهم من الطاعة، وغلبهم على المعصية؛ فقد كذبوا قول الله. وإن قالوا: بل هو كما قال المعذبون وحكاه الله عنهم؛ فقد تابوا وآمنوا، ورجعوا إلى الحق والعدل. والمعذبون مقرون بالحق على أنفسهم، والمجبرة ترمي به الله وتلزمه إياه، فتعالى عن ذلك علوا كبيرا.
ومما يسألون عنه قول الله سبحانه: { إن علينا للهدى{ ، ولم يقل: منا الضلالة والردى؛ فيقال لهم: أتقولون إنه كما قال إن منه الهدى الذي ذكره الله، ولم يذكر ضده؟ أفتقولون إنما ذكره عن نفسه فهو منه، وما لم يذكره فليس منه، أم تقولون إنما ذكره ونفاه عن نفسه، فهو كل منه؟ فإن قالوا: بل ما ذكر أنه منه فهو منه، وما لم يذكر أنه منه فليس منه؛ فقد رجعوا إلى الحق وآمنوا. وإن قالوا: بل ما قال إنه منه فهو منه، وما قال أيضا ليس منه فهو منه؛ فقد كفروا وكذبوا على الله.
صفحة ٣٢١