خلط مقالات أهل المنطق بالعلوم النبوية وإفساد ذلك للعقول والأديان:
وقد تفطن أبو عبدا لله الرازي بن الخطيب لما عليه أئمة الكلام وقرر في محصله وغيره أن التصورات لا تكون مكتسبة وهذا هو حقيقة قول القائلين أن الحد لا يفيد تصوير المحدود.
لكنه لم يهتد هو وأمثاله إلى ما سبق إليه أئمة الكلام في هذا المقام.
وهذا مقام شريف ينبغي أن يعرف فانه بسبب إهماله دخل الفساد في العقول والأديان على كثير من الناس إذ خلطوا ما ذكره أهل المنطق في الحدود بالعلوم النبوية التي جاءت به الرسل التي عند المسلمين واليهود والنصارى بل وسائر العلوم كالطب والنحو وغير ذلك.
وصاروا يعظمون أمر الحدود ويدعون أنهم هم المحققون لذلك وأن ما يذكره غيرهم من الحدود إنما هي لفظية لا تفيد تعريف الماهية والحقيقة بخلاف حدودهم ويسلكون الطرق الصعبة الطويلة والعبارات المتكلفة الهائلة وليس لذلك فائدة إلا تضييع الزمان وإتعاب الأذهان وكثرة الهذيان ودعوى التحقيق بالكذب والبهتان وشغل النفوس بما لا ينفعها بل قد يضلها عما لا بد لها منه وإثبات الجهل الذي هو أصل النفاق في القلوب وإن ادعوا أنه أصل المعرفة والتحقيق.
وهذا من توابع الكلام الذي كان السلف ينهون عنه وإن كان الذي نهوا عنه خيرا من هذا وأحسن إذ هو كلام في أدلة وأحكام ولم يكن قدماء المتكلمين يرضون أن يخوضوا في الحدود على طريقة المنطقيين كما دخل في ذلك متأخروهم الذين يظنون ذلك من التحقيق وإنما هو زيغ عن سواء الطريق.
ولهذا لما كانت هذه الحدود ونحوها لا تفيد الإنسان علما لم يكن عنده وإنما تفيده كثرة كلام سموهم أهل الكلام
1 / 31