كتاب الرد والاحتجاج على الحسن بن محمد بن الحنفية
تصانيف
جوابها وأما ما سأل عنه من قول الله: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}، فتوهم أنهم كانوا لا يسمعون لصمم جعله الله سبحانه في آذانهم، أو لسبب جعله حاجزا بين الهدى وبينهم، وليس ذلك والحمدلله كذلك، ولو كان الله فعل ذلك بهم لما عاب صممهم، ولكان(1) أعذر لهم من أنفسهم، ولما بعث إليهم المرسلين، ولا أمرهم باتباع المهتدين، وإنما أراد الله سبحانه بذلك حض المؤمنين؛ على الطاعة لرب العالمين، والاستماع لسيد المرسلين، فقال للمؤمنين: {ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون}، يقول: لا تكونوا كالذين قالوا أطعنا بألسنتهم؛ وهم كاذبون في قلوبهم، بل قلوبهم منكرة لذلك جاحدة له، يدارون(2) بالقول، خوفا من المؤمنين والرسول، ويكفرون من ورائه بكل الدين والتنزيل، وهم الذين قال فيهم الرحمن الجليل: {وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزؤن} [البقرة: 14]، وقال: {يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم} [الفتح: 11]، وهم الذين قال الله فيهم؛ من منافقي قريش والأعراب وغيرهم: {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون} [المنافقون: 1]، فنهى المؤمنين عن مشابهة المنافقين، ولم يكن قوله ما قال إخبارا منه بتركيب ماذمه منهم فيهم، ولو كان الله سبحانه فعله فيهم؛ لما نهى المؤمنين عن ذلك إذ هو فعله لا فعلهم، فكيف ينهاهم عن أن يفعلوا فعله؟ ولو جاز أن ينهاهم عن فعل ما فعله فيهم؛ لكانوا مقتدرين على أن يفعلوا كفعله (ولو كانوا مقتدرين على أن يفعلوا كفعله)(3) ، إذا لخلقوا كخلقه، ولو خلقوا كخلقه؛ لامتنعوا بلا شك مما يكرهون من أفعاله، من موتهم وابتلائه إياهم بما يبتليهم به، ولتزيدوا(1) فيما آتاهم مما يحبونه، فتعالى من هو على خلاف ذلك، والمتقدس عن أن يكون كذلك.
وأما ما سأل عنه من قول الله سبحانه: {إن شر الدوآب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}، فقال: هل كان هؤلاء يقدرون على أن يقبلوا الهدى؟ أو أن يسمعوا ما يدلون عليه من التقوى؟ فصدق الله سبحانه: {إن شر الدوآب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون}(2)[الأنفال: 22].يقول: الذين لا يهتدون إن هدوا، ولا يقبلون الحق إن دعوا، ولا ينتهون إذا نهوا، فضرب الله لهم ذلك مثلا إذ كانوا في الضلال على هذه الحال، وهم في ذلك لقبول الحق مطيقون(3)،وعلى اتباع الصدق مقتدرون، فلما أن تركوا ذلك شبههم الله بالصم البكم الذين لا يعقلون؛ إذ تركوا فعل ما كانوا يطيقون. تم جواب مسألته.
المسألة الثلاثون:
عن قول الله في المنافقين {ذهب الله بنورهم..}
ثم أتبع ذلك المسالة عما ضرب الله عز وجل للمنافقين عن المثل في قوله: {مثلهم كمثل الذي استوقد نارا فلما أضاءت ما حوله ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون * صم بكم عمي فهم لا يرجعون} [البقرة: 18]، فيقول: الا يرون أن الله هو الذي ذهب بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون؟ فأخبرونا هل كان هؤلاء يستطيعون سماع الهدى، وقد وصفهم الله سبحانه بالصمم؟ وهل كان لهم أن يقبلوا الهدى؛ وقد وصفهم بالعمى؟ وهل كانوا ينتفعون بنور الهدى وقد ذهب الله به؟ فإن قالوا: نعم؛ فقد كذبوا بكتاب الله وجحدوا بآياته، وإن قالوا: لا؛ كان ذلك نقضا لقولهم. تمت مسألته.
صفحة ٤٤٤