كلا فهذه كلها آثار الطبيعة «الناتور» ، ولا مؤثر في الوجود سوى «الناتور» ، فحلوا عن أعناقكم قيود الأوهام، ولا تقيموا لأنفسكم إلها من خواطر ظنونكم، فإن كانت العبادة من رغائب شهواتكم، فها هي ذي «مدموازيل» - أي العذراء - قائمة في المحراب على مثال الدمية، فاسجدوا لها إن شئتم...
والأضاليل التي بثها هذان الدهريان «فولتير» و«روسو» هي التي أضرمت نار الثورة الفرنسية المشهورة، ثم فرقت بعد ذلك أهواء الأمة، وأفسدت أخلاق الكثير من أبنائها، فاختلفت فيها المشارب، وتباينت المذاهب، وأوغلوا في سبل الخلاف زمنا يتبعه زمن، حتى تباين صدعهم، وذهب كل فريق يطلب غاية لا يرى وراءها غاية، وليس بينها وبين غايات سائر الفرق مناسبة، وانحصر سعي كل قبيل في التماس ما يواتي لذته، ويوافق شهوته، وأعرضوا عن منافعهم العامة، وأعقب ذلك عروض الخلل لسياستهم الخارجية شرقا وغربا.
نعم إن نابليون الأول بذل جهده في إعادة الديانة المسيحية إلى ذلك الشعب استدراكا لشأنه، لكنه لم يستطع محو آثار تلك الأضاليل، فاستمر الاختلاف بالفرنسيين إلى الحد الذي هم عليه اليوم.
هذا الذي جر الفرنسيين للسقوط في عار الهزيمة، بين يدي الألمان، وجلب إليهم من الخسار ما تعسر عليهم تعويضه في سنين طويلة.
هذه الأباطيل الدهرية قام عليها مذهب «الكمون» - أي الشيوعيين - ونما هذا المذهب بين الفرنسيين، ولم تكن مضار الآخذين به ومفاسدهم في البلاد الفرنسية أقل من مضار الألمان.
ولو لم يتدارك الامر أرباب العقائد النافعة والسجايا الحسنة، لنسف الشيوعيون كل عمران على أديم فرنسا، ومحوا مجد الأمة تنفيذا لأهوائهم، وجلبا لرغباتهم.
صفحة ٦