هذه سجية تزين صاحبها بالآداب، وتنفر به عن الشهوات البهيمية، وتفيض روح الاعتدال على حركاته وسكناته وجميع أعماله.
وهذا هو الخلق الفرد الذي ينهض بصاحبه لمجاراة أرباب الفضائل، ويتجافى به عن مضاجع النقائص، ويأنف به عن الرضا بالجهل والغباوة، أو الضعة والضراعة.
هذا الوصف الكريم، هو منبت الصدق، ومغرس الأمانة، وهما معه في قرن (¬1) . هذا الوصف هو آلة المعلمين والقائمين على التربية، والدعاة لمكارم الأخلاق، والمولعين بترقية الفضائل - صورية ومعنوية - يستعملونها في نصائحهم، يذكرون بها الغافل، ويحرضون الناكل، ويوقظون النائم، ويقعدون القائم؛ ألا ترى المعلم الحكيم كيف يعظ تلميذه بقوله: «ألا تستحي من تقدم قرينك عليك، وتخلفك عنه» ؟! فإن لم تكن هذه الخصلة فلا أثر للتوبيخ، ولا نفع للتقريع، ولا نجاح للدعوة، فانكشف مما بينا: أن هذه الخلة مصدر لجميع الطيبات، ومرجع لكل فضيلة، وسلم لكل ترق.
ويمكن لنا أن نفرض قوما هجر الحياء نفوسهم، فماذا نرى فيهم، سوى المجاهرة بالفحشاء، والمنافسة في المنكر، وشوس الطباع (¬2) وسوء الأخلاق، والإخلاد إلى دنيات الأمور وسفاسف الشؤون، وكفى بمشهدهم شناعة أن نرى تغلب الشهوات البهيمية عليهم، وتملك الصفات الحيوانية لإرادتهم وتسلطها على أفعالهم.
والخصلة الثانية: الأمانة:
ومن المعلوم الجلي أن بقاء النوع الإنساني قائم بالمعاملات والمعاوضات في منافع الأعمال، وروح المعاملة والمعاوضة إنما هي الأمانة، فإن فسدت الأمانة بين المتعاملين بطلت صلات المعاملة، وانبترت حبال المعاوضة، فاختل نظام المعيشة، وأفضى ذلك بنوع الإنسان إلى الفناء العاجل.
ثم من البين أن الأمم في رفاهتها، والشعوب في راحتها وانتظام أمر معيشتها، محتاجة إلى «الحكومة» بأي أنواعها؛ إما جمهورية، أو ملكية مشروطة، أو ملكية مقيدة.
صفحة ٩