العصر السعيد
ثم يختم شامير خطابه وهو يبتسم سعيدا، استطلاعا للعصر السعيد الآتي، عصر الأمان والسلام لكل الشعوب الذي تنبأ به إشعيا، وردد شامير نبوءته وهو يقول: «فيطبعون سيوفهم سككا ورماحهم مناجل، ولا ترفع أمة على أمة سيفا، ولا يتعلمون الحرب فيما بعد» (إشعيا، 2).
هذا فقط ما ذكره الرجل من كتابه المقدس، ليتطابق مع خطاب السلام؛ كي يبرز التطابق في الخطاب مع العنصر المقدس مع الحق التاريخي، إتباعا لكتاب يأمر بالسلام وينبئ بالسلام، فإشعيا النبي يتحدث عن اليوم الذي سيتم فيه صهر السيوف لتحول إلى محاريث ومناجل، ولا تكون هناك حرب بين الأمم إنما تعاون وسلام وإنتاج ورفاهية، لكن في أي مقام قال إشعيا نبوءته؟ الخطاب يصمت، وهنا فقط يذكر النبوءة منزوعة من سياقها، ليقدم مقدساته للعالم وهي تدعو للسلام، وبحيث يكون الرجل مستمرا على الدرب، ومكررا لدعوة أبطال العهد القديم من أجل السلام.
ومن المستحب في هذا المقام أن نتأسى برغبة شامير في استدعاء نبوءة إشعيا فنجدها تتحدث عن يوم يثبت فيه دين يهوه وحده في قمة جبل صهيون «وتجري إليه كل الأمم» (إشعيا، 2)، لكن ذلك لن يكون قبل أن يحدث الآتي لبلدان المنطقة:
لسوريا: «هو ذا دمشق تزال من بين المدن وتكون رجمة ردم» (إشعيا، 17).
لمصر: «في ذلك اليوم تكون مصر كالنساء، فترتعد وترتجف من هزة يد رب الجنود، وتكون أرض يهوذا رعبا لمصر» (إشعيا، 17: 19).
لجزيرة العرب: «بلاد العرب من أمام السيوف قد هربوا، يفنى كل مجد قيدار؛ لأن الرب إله إسرائيل قد تكلم» (إشعيا، 21).
للبنان: «وحي من وجهة صور، ولولي يا سفن ترشيش؛ لأنها خربت، ولولوا يا سكان الساحل، ورب الجنود قضى به ليدنس كبرياء كل مجد، أرضك كالنيل يا بنت ترشيش، أيتها العذراء المتهتكة بنت صيدون، ولبنان ليس كافيا للإيقاد، وحيوانه ليس كافيا للمحرقة» (إشعيا، 23: 40).
للعراق: «انزلي واجلسي على التراب أيتها العذراء ابنة بابل، اجلسي على الأرض بلا كرسي يا ابنة الكلدانيين؛ لأنك لا تعودين تدعين ناعمة ومترفة، تنكشف عورتك وترى معاريك، اجلسي صامتة وادخلي في الظلام يا ابنة الكلدانيين؛ لأنك لا تعودين تدعين سيدة الممالك» (إشعيا، 47).
والآن، ترى هل حقق الخطاب الصهيوني القديم أغراضه بفعل أصحاب الخطاب الصهيوني الجديد؟ سؤال لا يجيب عليه إلا الزعماء العرب المؤتمرون في مدريد، يحلمون بنبوءة إشعيا بالعصر السعيد.
صفحة غير معروفة