وخلوت إليه في مكان ذكرني بزاوية العميان بالباب الأخضر، وقلت: ما أنت إلا شيخنا أبو الفتح الإسكندري.
فقال، وهو يشد على يدي: لا يحتاج الأمر إلى فراسة!
فقلت: يا لك من وثاب لا يثبت على حال!
فقهقه طويلا ثم أنشد:
بؤسا لهذا الزمان من زمن
كل تصاريف أمره عجب
أصبح حربا لكل ذي أدب
كأنما ساء أمه الأدب
ووجدتني أزحف مع الزمان فوق السلحفاة كرة أخرى، ورأيت جموعا لم أر لكثافتها مثيلا من قبل، تسفح الدمع وتمزق ثيابها من لوعة الحزن. هذا والمدفع يمضي بالنعش دائسا على إرادات البشر، ثم وجدتني في بهو مكتظ المستمعين، ورجل وقور أبيض الشعر يقول بحكمة وأسى: دعوا البكاء للنساء، مصر باقية لا تموت، وآن لنا أن ننطق بالحق، ما كان عهده إلا عهد التعذيب والإفلاس والهزائم ... أفيقوا من الحزن والسحر معا، وابدءوا الحياة من جديد.
فخرقت الصفوف حتى واجهته وهتفت به: إنك لمعجزة يا أبا الفتح.
صفحة غير معروفة