فعصرت ذاكرتي لأتذكر، ولكن «الديك» صاح مؤذنا بطلوع الفجر.
الحلم رقم 4
رأيت فيما يرى النائم.
أنني في العوامة كالأيام الماضية، وغنى صوت في أعماقي «عادت ليالي الهنا»، وشعرت بالدفء وسط الأصدقاء والأحباب ... ولما تفرست في الوجوه انتقلت من حال إلى حال، المكان هو المكان، والمنظر هو المنظر، ولكن أين الوجوه أين؟! أمسك الزمن بقلمه ونقش على صفحاتها تجاعيده، وبث في مجاريها ذبوله ... وامتص بنهمه النضارة والرونق، وفي مواضع المصابيح الكهربائية حلت شموع تحترق، فلم يبق من قاماتها الرشيقة إلا أنصاف وأرباع، ورقصت ظلال الأشباح فوق الجدران، ومن الأفواه المثرمة تساقطت ضحكات فاترة كأنها أنات وتنهدات، وفي مركز الجلسة بسطت سجادة مربعة صفت عليها جنبا إلى جنب جثث محنطة للأعزاء الراحلين، قال صوت: هكذا كان يفعل قدماء المصريين في حفلاتهم.
فتساءلت: ولكن أين ذهبت الحضارة؟
فقال صوت: المنبع والمصب يقعان خارج أسوار الحضارة.
وافتقدت بشدة الحوار والثرثرة، فتساءلت: ماذا أسكتنا؟!
فأجاب صديق ضاحكا وعيناه تدمعان: اللعنة في التكرار.
فتساءلت: أليس ثمة شكوى جديدة تقتضي ضحكة جديدة؟
فأجاب مستزيدا من الضحك والدموع: ثبت أن جميع الشكاوى مسجلة على «حجر رشيد».
صفحة غير معروفة