هذا هو السؤال الذي يشغل الهم، ويضطرب بين جوانب النفس.
وأرجو ألا يظن قارئ أن حظ أمة مهما يكن عظيما من العلم والفن والصناعة والمال، وغير أولئك من وسائل العظمة؛ مما يعصمها من هذا المصير، فإنه لم يقض على من سبق من الأمم جهل ولا ركود حس ولا خمود عاطفة ولا شلل أيد ولا إعواز، إنما قضت عليها عوامل أخرى ترجع كلها إلى شيء واحد هو الأخلاق!
وإنما أعني من الأخلاق، أولا وقبل كل شيء تلك الصفات أو الأصح تلك الفضائل، التي تصل بين المرء والمجموع من إيثار المنفعة العامة والتضحية والفناء في النهاية، في هذه المجموع وهيهات لأمة تستحق هذا الاسم أن تكون كذلك، إلا إذا كان مجموع أفرادها كذلك، فإذا أقبل كل على شأن نفسه، وآثر الدعة والتقلب في ألوان الترف، بقدر ما يتهيأ له، وخص بأجل مساعي الحياة النفس والولد! انفرط ولا ريب عقد المجموع وأصبح الأفراد نثارا يغدون ويروحون على وجه الأرض، وهؤلاء لا يمكن أن تعدهم أمة، وإن حصروا في رقعة معينة من الأرض، وإن ضمتهم جنسية واحدة، وإن أخذوا جميعا بقانون واحد أو بطائفة من القوانين!
ونعود فنتساءل: هل كان انهزام فرنسا وإسراعها بالتسليم إلى عدوها انهزاما عسكريا فحسب، أو أن هذا الانهزام والتسليم إنما كان عرضا من أعراض الشيخوخة التي تضرب أعضاء الجسم بفنون العلل والأسقام، والتي لا رجاء معها في قوة ولا احتمال صدام، بل إنها النذير الحق بالموت الزؤام؟
لقد انتصرت فرنسا في حروبها وانهزمت مرات، كما انتصر غير من الأمم وانكسر مرات، ومع هذا فسرعان ما استردت الأمم المقهورة قوتها، ووالت سعيها الحثيث في سبيل الحياة، وذلك بفضل حيويتها وما انطوت عليه من الرغبة القوية في إعزاز الوطن والتضحية بالنفس والولد والمال في سبيل مجدها، وإنكار الذات، بل إفناؤها في المجموع.
وإنما حرك في نفسي هذه المرة ذلك السؤال، وشب فيها كل ذلك الشبوب، ما استشرى في كثرة الفرنسيين في السنين الأخيرة من إيثار الدعة، والإفراط في حب الذات وعد الاكتراث، وقلة المبالاة بالمنفعة الوطنية من قريب أو من بعيد، والظن بالتضحية في هذه السبيل بقدر كبير.
1
وأخيرا فإن علينا ألا ننسى روح النشوز والتمرد التي طغت بنوع خاص على طبقة العمال
2
والشواهد على هذا وهذا وهذا مما يفوت جهد الإحصاء!
صفحة غير معروفة