هذه غلات أرضه مكدسة بين يديه، لا يجد لها في أسواق الأرض منصرفا ولا مفيضا، لقد سجنتها الحرب وأبطل حركتها الكساد العام.
هذا شأن ملاك الأرض ومستأجريها، كبارهم وصغارهم في ذاك بمنزله سواء، فكيف بالأكرة والمتكسبين بكد الأبدان؟
أما أولاد الفلاحين فشخوص وأشباح بالية تغدو وتروح في أسمال بالية، تكشف من الأبدان أكثر مما تستر، وتبدي من اللحوم - أستغفر الله - بل من العظام والجلود أعظم مما تحجب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم!
وكيفما كانت الحال، فإنك قل أن ترى الفلاح مع كل ذلك ، متسخطا أو مهتاج النفس، بل إنك لتراه راضيا برغم حزنه الشديد!
ولعل مرد هذا الرضا إلى أن آماله كلها مجموعة في أرضه، وأرضه لم تخنه ولم تخلف له موعدا، ولقد أقبلت عليه من فنون الغلات بما تقبل به كل عام، فإذا كان بؤس من أثر حصار أو كساد عام، فذلك ما لا شأن لأرضه به على كل حال، نسأل الله تعالى اللطف بالعباد، فهو القادر على أن يجعل لنا من هذا الضيق مخرجا، ويبدلنا من هذه الشدة فرحا:
فإن مع العسر يسرا * إن مع العسر يسرا ، ولن يغلب عسر يسرين كما روي عن الرسول الأعظم
صلى الله عليه وسلم .
بقي ما يظن أن يتأذى به المهاجرون في الريف من منكر الأصوات، ووالله لقد رضينا أن نسمع عامة الليل والنهار نباح الكلاب، وعواء الذئاب، ونعيب الغراب، وطنين الذباب، وما شئت من نقيق ونهيق، وثغاء ومواء وفحيح وخوار،
2
على أن تعفى آذاننا من ... صفارة الإنذار!
صفحة غير معروفة