يا قومنا، أقسم لكم بالله - تعالى - غير حانث ولا آثم، إن الشركة ليست تأتينا بالماء من إفيان، ولا من إكس ليبان، ولا من فيشي ولا من بلاد اليابان حتى يلتمس لها العذر، بنفقات النقل في البر والبحر، أجور الحزم واللف والتعبئة والصف، والتأمين خوف الغرق والحريق، وما عسى أن يدركه من العطب في أثناء الطريق، وناهيكم بحساب ما قد يكسد في الأسواق منه، وما قد يبور في المتاجر بانصراف الهواة عنه، ومن يدري فلربما ظهرت «ماركة» ماء جديد، أو «موديل» سنة 1938 أو 1939 فيها من المزايا ليس في هذا الماء، في ري العطاش وبل صدى الظماء!
ليست تجيء بشيء من هذا حتى تغلو هذا الغلو في الأسعار، توقيا للنفقات وتوقيا للخسائر، إنما تدفع إلينا الماء من نيلنا الذي يشق مدينتنا، والذي يجري بين أيدينا، والذي طالما طفى وزاد حتى أغرق البلاد، وأهلك العباد وأتى على اليابسة والخضراء، وألقى بربات الخدور إلى متن العراء، بل إن من يرى متدفقه في دمياط أو في رشيد ليحسب أنه ماض لري العالم القديم والعالم الجديد، وتراه يغذو في شمالنا وجنوبنا ألف ترعة، فإذا جاز بنا ضيقت الشركة ذرعه، وباعتنا ماءه «بالشربة» والجرعة! حتى أصبحنا ونحن نغدو على حفتيه ونروح، نتناشد قول الشاعر:
يا سرحة الماء قد سدت موارده
أما إليك طريق غير مسدود؟
حقا يا سيدتي الشركة، لقد سامتنا «عداداتك» رهقا وعذابا، وجرعتنا من نيلنا علقما وصابا، وكان من قبل سكرا مذابا، وكان شهد أو جلابا، لقد ساغ وردا وحلا شرابا!
حقا يا سيدتي الشركة، إنك لتروقين الماء ولكنك تعكرين النفوس، وتملئين الآنية ولكنك تخلين الجيوب حتى من الفلوس!
يا سبحان الله، يا شركة! تعطيننا الماء وتقتضين الذهب، ولو كان مالنا نيلا لجف يا شركة من كثرة النزع ونضب!
ارحمينا، يا شركة واعملي معنا بالمثل الذي قالته العامة من قديم الزمان: «المية ما تفوتش على عطشان!»
وبعد، فعندي يا سيدتي الشركة أكثر من هذا، ولكن في فمي ماء وهل ينطق من في فيه ماء؟
ونرجع إلى سياقة الحديث فنقول: أما آن لوزارة الأشغال أن تنجز الوعود، ولشركة المياه أن تعدل عن دلها المعهود، فتترفق في ثمن الماء، وتخفف عن كواهلنا ما يهددها من الأعباء، فقد اعترانا الداء من ناحية الدواء ولله در شاعر الغبراء:
صفحة غير معروفة