الفصل السادس
في ذكر عمل المريد بعد صلاة الغداة
وهو أنه يأخذ في تلاوة القرآن وفي أنواع الذكر من التسبيح والحمد والثناء وفي التفكر في عظمة الله ﷾ وآلائه وفي تواتر إحسانه ونعمائه، من حيث يحتسب العبد ومن حيث لا يحتسب وفيما يعلم العبد وفيما لا يعلم، ويتفكّر في تقصيره عن الشكر في ظواهر النعم وبواطنها وعجزه عن القيام بما أمره به من حسن الطاعة ودوام الشكر على النعمة، أو يتفكّر فيما عليه من الأوامر والنوادب فيما يستقبل، أو يتفكّر في كثيف ستر الله ﵎ عليه ولطيف صنعه به وخفيّ لطفه له وفيما اقترف وفرط فيه من الزلل وفي فوت الأوقات الخالية من صالح العمل، أو يتفكّر في حكم الله تعالى في الملك وقدرته في الملكوت وآياته وآلائه فيهما، أو يتفكر في عقوبات الله ﷿ وبلائه الظاهرة والباطنة فيهما ومن ذلك قوله ﷿: (وَذَكِّرْهُمْ بأَيَّامِ اللهِ) إبراهيم: ٥، قيل بنعمه وقيل بعقوباته ومنه قوله ﷿: (فَاذْكُرُوا آلاءَ اللهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) الأعراف: ٦٩، ومثله (فَبأيّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) الرحمن: ٢٥ أي بأي نعمة تكذبان يا معشر الجن والإنس إن استطعتم وهما الثقلان، ففي أي نوع من هذه المعاني أخذ فيه فهو ذكر، والذكر عبادة، وهو يخرج إلى الفكر والفكر يدخل في الخوف، والذكر إذا قوي صار مشاهدة، كما قال ﷿: (يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا) آل عمران: ١٩١، ثم قالَ: (وَيَتَفَكَّرُونَ في خَلْقِ السَّمَواتِ والأَرْضِ) آل عمران: ١٩١ ثم قال: (سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) آل عمران: ١٩١ ولا يكون مشاهدة إلا عن يقين واليقين روح الإيمان ومزيده وفن المؤمن، وقال بعض العلماء في تفسير الخبر تفكُّر ساعة خير من عبادة سنة، وهو التفكر الذي ينقل أي من المكاره إلى المحاب ومن الرغبة والحرص إلى القناعة والزهد، وقيل هو التفكر الذي يظهر مشاهدة وتقوى ويحدث ذكرًا وهدى، كقوله تعالى: (وَاذْكُرُوا مَا فيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) البقرة: ٦٣، ولقوله تعالى: (لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) الزمر: ٢٨، أو يحدث لهم ذكرًا ومثله: (يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ) البقرة: ٢١٩ في الدنيا والآخرة أي يفعلون لما يبقى ويرغبون فيما يدوم ويزهدون فيما يفنى وقد جعل الله ﷿ البيان
1 / 29