188

القصاص والمذكرين

محقق

محمد لطفي الصباغ

الناشر

المكتب الإسلامي

رقم الإصدار

الثانية

سنة النشر

١٤٠٩ هجري

مكان النشر

بيروت

تصانيف

لِي أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَوْمًا، يَبْلُغُنِي أَنَّ الْحَارِثَ هَذَا - يَعْنِي الْمُحَاسِبِيَّ - يُكْثِرُ الْكَوْنَ عِنْدَكَ / فَلَوْ أَحْضَرْتَهُ مَنْزِلَكَ وَأَجْلَسْتَنِي مِنْ حَيْثُ لَا يَرَانِي فَأَسْمَعَ كَلَامَهُ. فَقُلْتُ: السَّمْعُ وَالطَّاعَةُ لَكَ يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ﴿وَسَرَّنِي هَذَا الِابْتَدَاءُ مِنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَقَصَدْتُ الْحَارِثَ، وَسَأَلْتُهُ أَنْ يَحْضُرَنَا تِلْكَ اللَّيْلَةَ. فَقُلْتُ: وَتَسْأَلُ أَصْحَابَكَ أَنْ يَحْضُرُوا مَعَكَ﴾ فَقَالَ: يَا إِسْمَاعِيلُ! فِيهِمْ كَثْرَةٌ فَلَا تَزِدْهُمْ عَلَى الْكُسْبِ وَالتَّمْرِ وَأَكْثِرْ مِنْهُمَا مَا اسْتَطَعْتَ. فَفَعَلْتُ مَا أَمَرَنِي بِهِ، وَانْصَرَفْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ فَأَخْبَرْتُهُ. فَحَضَرَ بَعْدَ الْمَغْرِبِ وَصَعَدَ غُرْفَةً فِي الدَّارِ، فَاجْتَهَدَ فِي ورده إِلَى أَن فرغ. وَحضر الْحَارِث وَأَصْحَابه فَأَكَلُوا. ثمَّ قَامُوا لِصَلَاةِ الْعَتْمَةِ، وَلَمْ يُصَلُّوا بَعْدَهَا. وَقَعَدُوا بَيْنَ يَدي الْحَارِث وهم سكُوت لَا يَنْطِقُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ نِصْفِ اللَّيْلِ. وَابْتَدَأَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ وَسَأَلَ الْحَارِثَ عَنْ مَسْأَلَةٍ. فَأَخَذَ فِي الْكَلَامِ وَأَصْحَابُهُ يَسْتَمِعُونَ، وَكَأن على رؤوسهم الطَّيْرَ. فَمِنْهُمْ / مَنْ يَبْكِي، وَمِنْهُمْ مَنْ يَزْعَقُ وَهُوَ فِي كَلَامِهِ. فَصَعَدْتُ الْغُرْفَةَ لِأَتَعَرَّفَ حَالَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ، فَوَجَدْتُهُ قَدْ بَكَى حَتَّى غُشِيَ عَلَيْهِ. وَانْصَرَفْتُ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ تَزَلْ تِلْكَ حَالُهُمْ حَتَّى أَصْبَحُوا فَقَامُوا وَتَفَرَّقُوا. فَصَعَدْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَهُوَ مُتَغَيِّرُ الْحَالِ. فَقُلْتُ: كَيفَ رَأَيْت

1 / 350