فقال إسماعيل قدري: إليك حل يتوافق مع حكمتك وتقواك؛ الطلاق لا مفر منه، وعليك أن تحتفظ بنهى، وأيضا لا يجوز أن تترك الأخرى فريسة لفقرها، وإذن فالاتفاق خير من المحكمة، استأجر لها شقة وأجر عليها رزقا إكراما لابنتها، وأكرر؛ فإن هذا ما يتوافق مع تقواك.
وأعتقد أنه بذل جهدا جبارا لكبح رغبته في التأديب أو الانتقام، ولكنه فعل الصواب الذي لم يفعله أحد سواه من قبل، طلقها، حفظ كرامتها، احتفظ بنهى سادلا الستار على مأساته، ورجع إلى وحدته ولكنها لم تكن مطلقة هذه المرة، فعلى كثب منه نهى ومربيتها، وفضلا عن ذلك فبفضل السن والمرض لم يعد يكابد الحرمان القديم، وجاءه نفر يعرضون عليه شراء دكانه لتحويلها إلى بوتيك من بوتيكات الانفتاح، فتمتم: لم يثبت معي إلى النهاية إلا الدكان وقشتمر.
فقال له حمادة: لو كنت مكانك لقبلت الصفقة؛ المبلغ خيالي، وأنت آن لك أن تستريح.
واختلفنا .. ولكنه قال: لن يخلفني أحد في عملي، إبراهيم له دنياه، وصبري تأقلم حيث يقيم، وحتى متى أعمل من الصباح حتى المساء؟!
وباع دكانه، وتفرغ لتربية نهى، ومهادنة الروماتيزم، وقراءة القرآن والحديث، وأدى فريضة الحج، ولكن ظل ركننا بقشتمر قرة عينه.
حمادة الحلواني أيضا كان ممن سعدوا بنصر أكتوبر وممن رحبوا بالسلام، ولكن في هدوء رصين وما يشبه البوذية. وقد باء زواجه بالفشل فاعترف بذلك وهو يستمتع بشهر العسل. وتلوح في عينيه أحيانا ابتسامة وكأنما يتساءل «ماذا فعلت بنفسي؟» والحق أنه لم يشعر بتغيير حقيقي في علاقته بالجنس الآخر، ولم تغير زوجته من سلوك المرأة المحترفة؛ ظلت عشيقة لا زوجة، تعنى ليل نهار بتبرجها، وتمارس عاداتها المستقرة في تعاطي الخمر والحشيش، وتتجاهل واجباتها المنزلية عدا إلقاء الأوامر للخدم، ولا تكف عن مطالبها المالية، ومضت في طريقها من أول يوم وبلا تدرج، وأمل في التغيير عندما حبلت ولكن الجنين مات في بطنها واقتضت الحال جراحة وإزعاجا دون جدوى، وبثنا شكواه قائلا: لا حوار بيننا خارج الفراش، قد أسمع ولكنني لا أجد ما أقوله.
وتضاعف شعوره بالوحدة والملل وتمنى دائما أن تغيب عن المسكن الجميل لأي سبب، فالوحدة بدونها أخف على القلب.
توقعنا أن نسمع عن الطلاق في أقرب فرصة، وسأله صادق صفوان: أهي شريرة؟
فتفكر مليا ثم قال: إنها تافهة، لم تسنح فرصة لإظهار شرها، إنها تافهة، الاحتراف يقتل الإنسانية في قلب المرأة، وفي هذا تكمن التعاسة الحقيقية.
وسأله صادق بنبرة حزينة: وماذا تنوي أن تفعل؟
صفحة غير معروفة