فقال صادق: خيل إلي أن الأم جاءت تعرض نفسها وكريمتها لأختار ما يناسبني.
فقال طاهر: فاخترت ما لا يناسبك.
وقال إسماعيل: اعرف لرجلك قبل الخطو موضعها.
فابتسم صادق ساخرا وقال: ما أجدر أن نوجه هذه الحكمة لبطل 5 يونيو، أما أنا فإني واثق من نفسي، طال عذابي مع العزوبة والعفة، والله أعلم بحالي.
ولم يضع وقتا، فسعى سعيه، وصادف القبول، وغلب علينا الفتور لحرصنا الأكيد على سعادته وتمنينا أن تكذب الظنون، وكعادته قام هو بكافة التكاليف، واختار لمقامه الجديد شقة في عمارة جديدة بميدان الجيش - ميدان فاروق سابقا - وبالغ في الكرم ليغطي على نقصه وليستمتع بحياته تعويضا لها عما ذاقت من خوف حيال الفك المفترس، وهمس إسماعيل بعد أن خلونا إلى أنفسنا في طريقنا إلى بيوتنا: نحن في زمن اللامعقول فلا تدهشوا لشيء!
وكأنما كان يمهد بقوله هذا لما طرأ على حياة حمادة الحلواني من تغير غير متوقع، لم يعد يقتصد في شكواه من الفراغ والملل، قال لنا: إليكم صورة صادقة عن حياتي، أنا كرجل يتثاءب بانتظام في انتظار نوم لا يجيء.
ويقول مقطبا: كل يوم يبدو طويلا ثقيلا لا جديد فيه.
وقال وهو يردد ناظريه بين طاهر وإسماعيل: الضجر هو سرطان الروح.
وتساءل صادق: ما جدوى دائرة المعارف إذن؟
فهز منكبيه استهانة وقال: حتى السطول بات سوداويا، ولا أجد شيئا من الراحة إلا في قشتمر.
صفحة غير معروفة