وعندما بلغ الإمام علي بن أبي طالب احتجاج أبي بكر وعمر على الأنصار، عقب عليه بقوله: «احتجوا بالشجرة وأضاعوا الثمرة»(1). وقال: «واعجباه أتكون الخلافة بالصحابة والقرابة!!»(2). أما أبو سفيان فقد أعلن عن سخطه مما آلت إليه الأمور، فقال: «ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش؟»(3).
فهذا التعدد في المواقف يدل على أن اختيار الخليفة وتحديد صلاحياته، وكيفية تنصيبه، ونحو ذلك، متروك للأمة يختار كل مجتمع ما يناسبه، ويتحقق به صلاحه وصيانته، لاسيما وأن الأزمنة والظروف دائمة التبدل والاختلاف، ويدل أيضا على أن المسألة اجتهادية بحتة، وليس للشرع فيها حكم محدد.
وما يروى من أن أبا بكر احتج يوم السقيفة بحديث: «الأئمة من قريش». فهو غير صحيح؛ لأن الروايات المشهورة لم تتضمنه، وقد نفى كثير من محققي المحدثين وغيرهم وروده يوم السقيفة، وغلطوا من ادعى ذلك، كالرافعي الذي أورد الحديث في قصة السقيفة، فأنكر عليه ابن الملقن قائلا: «روى القصة البخاري بطولها وليس فيه ذلك»(4).
وقال الحافظ صلاح الدين العلائي: «لم أجده هكذا في شيء من كتب الحديث والسير»(5).
وذكر ابن حجر قصة السقيفة في (فتح الباري)(6) وعندما تعرض لذكر هذا الحديث، قال: «لم يقع في هذه القصة».
وقال العلامة المقبلي: «قولهم: إن أبا بكر احتج على الأنصار بذلك، ليس بصحيح؛ لأن أبا بكر إنما تكلم برأيه، قال: إن العرب لا تعرف هذا الأمر لغير هذا الحي من قريش، هم أواسط العرب حسبا ودارا. وهذا اعتبار منه محض»(7).
صفحة ٢١