وإذا كنا سنفرض صحة ذلك ونفسر ما حدث بأنه مجرد رأي وتكتيك للتمشي مع الواقع الذي كان يعيشه العرب فجر الإسلام، وأن ما بدا مجافيا لروح الإسلام، كان استجابة اضطرارية لظروف ومعطيات عاشها اولئك وغابت عنا؛ فإننا لا نستطيع أن نتجاهل ما كشفت عنه تلك الأحداث من حقائق، ونتج عنها من تداعيات.
أحداث السقيفة.. بين التشريع والمؤامرة
يعتبر ما وقع في السقيفة أول حدث بارز اختلف فيه الصحابة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لذلك أخذ نصيبا وافرا من البحث والتحليل، وبدوافع شتى قدمه المختلفون في صور متباينة.
فمنهم من قدم ما جرى في السقيفة على أنه تشريع مقدس، جاء وفق أسس وضعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأرشد إليها، وبالتالي فما نتج عنها فإنه يعد مثالا يحتذى، وحجة على الأجيال ملزمة.
وهذه النظرية رغم ما حشر لها من الشواهد مختلة من عدة وجوه:
الأول: أن عمر بن الخطاب وهو أحد صناع قرارات السقيفة قد أعلن بوضوح عدم شرعيتها، وبين أن ما حدث كان مجرد حل مرتجل نتيجة لظروف معينة، وذلك حينما بلغه أن بعض الصحابة قال: لو قد مات عمر لبايعت فلانا، فوالله ما كانت بيعة أبي بكر إلا فلتة، فتمت. فغضب لذلك عمر، وقال إني إن شاء الله لقائم في الناس فمحذرهم هؤلاء الذين يريدون أن يغصبوهم أمورهم، ثم قام خطيبا، وقال: «أيها الناس إنه بلغني أن قائلا منكم يقول: والله لو قد مات عمر بايعت فلانا، فلا يغترن امرؤ أن يقول: إنما كانت بيعة أبي بكر فلتة، وتمت، ألا وإنها قد كانت كذلك!! ولكن الله وقى شرها، وليس منكم من تقطع الأعناق إليه مثل أبي بكر.. من بايع رجلا عن غير مشورة من المسلمين فلا يبايع هو ولا الذي بايعه». هكذا في (صحيح البخاري) وغيره(1).
صفحة ١٩