واشتد بنيان المجتمع المسلم، وظلت قريش في ضلالها مصرة على الكفر والجحود، وجعلت من نفسها العدو الأول للإسلام، والنائبة عن قبائل العرب في حرب المسلمين وأذيتهم، وتزعمت الأحلاف والتكتلات المناوئة لهم، ومع ظل النبي صلى الله عليه وآله وسلم حريصا على استمرار العلاقة بالمجتمع القرشي، حتى إنه طلب من عمه العباس بعد إسلامه عقب بدر البقاء في مكة؛ ليكون حلقة وصل بينه وبين ما يجري بداخل مكة، إضافة إلى إقامته تحالفات مع بعض القبائل داخل مكة وجوارها كحلفه مع خزاعة. كما أنه استغل عهد الحديبية لإفساح المجال للتفاهم وخفض حدة التوتر، حتى إن بعض الصحابة رأي في بنود صلح الحديبية إجحافا بحق المسلمين.
التحول السريع
وحينما قهرت قريش على أيدي المسلمين وفتحت (مكة) عنوة وانكسرت شوكتها، كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مع أهلها كريما حين خلى سبيلهم، وقال لهم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء». فسجل بذلك الموقف صورة مشرقة من صور التسامح الإسلامي، وأراد أن ينزع بذلك ما في صدور المشركين من غل، ويدفعهم نحو الإسلام بقناعة تامة؛ لأنه كان يدرك أن إرغام الآخرين وإجبارهم على اتباعه لا يؤدي إلى قناعة ولا يبني عقيدة، والدين الإسلامي عقيدة، والعقيدة لا تقوم إلا على القناعة؛ فهي عدته وعتاده وأساس بنائه.
وبعد القضاء على تمرد قريش ومن دار في فلكهم انحلت العقدة، وأخذت مختلف القبائل العربية تتوافد على الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مسيرات حاشدة مؤيدة للدعوة الإسلامية ومنتظمة تحت لوائه، حتى وصف الله ذلك التحول بقوله: ?إذا جاء نصر الله والفتح * ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا * فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا?(النصر).
صفحة ١٢