وبرغم كل تلك الإشكالات الخطيرة والإلزامات الشنيعة والضرورات العقلية التي لا يمكن إنكارها أو تجاوزها إلا أن الحنابلة ) وهم السلفيون اليوم ( تفردوا من بين سائر الفرق الإسلامية - لاسيما تلك التي توافقهم في القول بأزلية كلام الله وأن القرآن غير مخلوق - بإثبات قدم تلك الألفاظ والحروف صراحة !! ، والقول كما جاء في العقيدة الواسطية لابن تيمية - تقديم مصطفى العالم - ص : 51 بأن ) القرآن هو هذه الألفاظ المقروءه بالألسنة والمحفوظة في الصدور والمكتوبة في الصحف .. فالذي نقرأه هو كلام الله تعالى الأزلي القديم القائم بذاته تعالى ...! وقرآتنا له بأصواتنا لا تخرجه عن كونه كلام الله الذي تكلم به بحروفه ومعانيه ليست الألفاظ دون المعاني ولا المعاني دون الألفاظ ( (2) ..!!!
وقد أنكر الفخر الرازي - وهو من علماء الأشاعرة - ذلك أشد الإنكار في كتابه معالم أصول الدين ، واعتبره جحدا للضروريات التي أطبق عليها العقلاء - أي حدوث تلك الحروف والألفاظ والأصوات - ورد عليهم ، وخلاصة ما قرره أن قولهم بقدم القرآن ( وهو الذي بين الدفتين ) يلزم منه أمران ممتنعان على الذات الإلهية :أن يكون القديم محلا للحوادث ، وأن يحل القديم في الحادث (3) .. وبهذا يكون الأشاعرة - برغم قولهم بأزلية كلام الله وان القرآن غير مخلوق - قد خالفوا الحنابلة في ذلك بل وأنكروا عليهم كما رأينا بعد أن أدركوا أن لامناص من موافقة القائلين بخلق القرآن ، في كون الحروف والأصوات ( الكلام اللفظي ) حادثة ، وان ما بين الدفتين ليس قديما أزليا ، وإنما هو حادث ومخلوق .
وبرغم أن هذا يعني أن القرآن مخلوق ، إلا أنهم أكدوا في نفس الوقت بأن القرآن غير مخلوق وأن كلام الله أزلي وقائم بذاته تعالى !!..
صفحة ٣٠