ري الظمآن بمجالس شعب الإيمان
الناشر
مكتبة دروس الدار
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٤٤ هـ - ٢٠٢٢ م
مكان النشر
الشارقة - الإمارات
تصانيف
محمد بن عبد الله ﷺ، وكان يقول فيما ذكروا عنه:
وَعَرَضْتَ دِينًا قَدْ عَرَفْتُ بِأَنَّهُ … مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينًا
لَوْلَا المَلَامَةُ أَوْ حِذَارِي سُبَّةً … لَوَجَدْتَنِي سَمْحًا لِذَاكَ مُبِينًا (^١)
فكان يعلم صدق رسول الله ﵊ بل كان يناصره ويدفع الأذى عنه؛ ولذلك حرص النبي ﷺ على إسلامه فكان يقول له - حين حضرته الوفاة-: «يا عم، قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، كَلِمَةً أُحَاجُّ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللَّهِ». فَقَالَ له أَبُو جَهْلٍ، وَعَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي أُمَيَّةَ: يَا أَبَا طَالِبٍ، أَتَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ؟ فَلَمْ يَزَلْ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَعْرِضُهَا عَلَيْهِ، وَيُعِيدُ لَهُ تِلْكَ الْمَقَالَةَ حَتَّى قَالَ أَبُو طَالِبٍ آخِرَ مَا كَلَّمَهُمْ: هُوَ عَلَى مِلَّةِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، وَأَبَى أَنْ يَقُولَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَمَا وَاللهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ مَا لَمْ أُنْهَ عَنْكَ»، فَأَنْزَلَ اللهُ -جل وعلا-: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ (١١٣)﴾ [التوبة: ١١٣]، وَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى فِي أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ لِرَسُولِ اللهِ ﷺ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)﴾ [القصص: ٥٦] (^٢)
ومما قاله أبوطالب أيضا: لَوْلَا أَنْ تُعَيِّرَنِي قُرَيْشٌ، يَقُولُونَ: إِنَّمَا حَمَلَهُ عَلَى ذَلِكَ الْجَزَعُ لَأَقْرَرْتُ بِهَا عَيْنَكَ، فَأَنْزَلَ اللهُ: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ﴾ [القصص: ٥٦] (^٣)، يعني لولا أن تعيرني قريش بذلك لقلتها من أجلك.
وهذا من سوء طويته. فإنه ينبغي أن يُذعِن الإنسان بشهادة أن لا إله إلا لله قولًا بلسانه واعتقادًا بجنانه يريد بذلك وجه الله ﷾ لا إرضاءً لأحد من الناس.
ولما أبى أبو طالب أن ينطق بلا إله إلا الله وأنَّ محمدًا رسول الله ﷺ، كان من المشركين؛ ونزلت فيه الآية: ﴿إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ (٥٦)﴾ [القصص: ٥٦]. ونُهِي النبيُّ ﷺ أن يستغفر له فنزل قول
_________
(^١) "سيرة ابن إسحاق" (١٥٥)، وللبيتين روايات أخرى.
(^٢) صحيح البخاري (٣٨٨٤، ٤٧٧٢) وصحيح مسلم (٢٤) من حديث المسيب بن حزن ﵁.
(^٣) رواه مسلم (٢٥) من حديث أبي هريرة ﵁.
1 / 35