إنه ليس هناك شك بأن السومريين كانوا يعتبرون أنفسهم من صنف الشعب المختار. في أسطورة آنكي ونظام العالم، التي تعالج موضوع خلق آنكي للذاتيات الطبيعية والحضارية والعمليات الضرورية للمجتمع المتمدن وتنظيمها، نجده يبارك بلاد سومر بكلمات رفيعة، تكشف أن السومريين يعتقدون بأنفسهم كمجتمع، أو بالأحرى مجتمع مميز ومقدس، متصل بالآلهة اتصالا أقوى من اتصال بقية البشر بها، بشكل عام.
10
بل إنه رغم اعتراف المهتمين بالحضارة السومرية، أن السومريين مجموعة غريبة على المنطقة، فإنهم يزعمونهم أصحاب ثقافة قدر لها السيادة على جميع أجزاء الشرق الأدنى، فيقول «كريمر
Kramer »: «وتتجلى هذه السيادة الثقافية في عدة اتجاهات: (1)
أن السومريين هم الذين طوروا، ومن المحتمل أنهم قد ابتكروا، طريقة الكتابة المسمارية، التي اقتبستها جميع شعوب الشرق الأدنى على وجه التقريب. (2)
طور السومريون المفاهيم الدينية والروحية، كما أدمجوا مجموعة الآلهة المختلفة على نحو رائع، فكان لهذا الدمج أثره العميق على شعوب الشرق الأدنى، وبضمنهم العبرانيون والإغريق، إضافة إلى نفاذ الشيء الكثير من هذه المفاهيم الروحية والدينية إلى عالمنا المتمدن، عن طريق الأديان السماوية.»
11
ويكمن ذلك عند «كريمر
Kramer » في أنه قد «طور السومريون خلال الألف الثالث قبل الميلاد، أفكارا دينية ومفاهيم روحية، تركت في العالم الحديث أثرا لا يمكن محوه، خاصة ما وصل منها عن طريق الديانات: اليهودية والمسيحية والإسلام؛ فعلى المستوى العقلي، استنبط المفكرون والحكماء السومريون، كنتيجة لتأملاتهم في أصل الكون وطبيعته وطريقة عمله، نظرية كونية، وأخرى لاهوتية، كانتا تنطويان على إيمان راسخ وقوي بحيث إنهما أصبحتا العقيدة والمبدأ الأساسيين، في أغلب أقطار الشرق الأدنى القديم. وعلى المستوى العملي والوظيفي، طور الكهنة ورجال الدين السومريون مجموعة من الطقوس والشعائر والاحتفالات، الغنية بالألوان والتنوع، التي كانت تؤدى لغرض إرضاء الآلهة وتهدئتهم، بالإضافة إلى ما فيها من إشباع عاطفي، لحب الإنسان للمهرجانات والمشاهد الضخمة.»
12
صفحة غير معروفة