وعلى إثر تكوين الجامعة الجديدة وضعنا لها قانونا رأى الشارع فيه أن رسالة الجامعة يجب أن تكون أوسع مجالا من أن تحد بحدود معينة، فجاء نص رسالتها مرنا يتسع لكل ما تقدر عليه من الألوان المختلفة لخدمة العلم والقيام بالتعليم، وقد جاء في مادته الثانية: «إن اختصاص الجامعة يشمل كل ما يتعلق بالتعليم العالي الذي تقوم به الكليات التابعة لها، وعلى وجه العموم، فإن عليها مهمة تشجيع البحوث العلمية والعمل لرقي الآداب والعلوم في البلاد.»
واعتمادا على هذا النص المرن، الذي يتناول كل تطور جامعي لخدمة العلم والتعليم والآداب والفنون المختلفة في البلاد؛ اعتمادا على هذا النص كانت رسالة الجامعة متعددة النواحي.
فمن رسالة الجامعة أن تقوم البحوث العلمية في العلوم وفي الآداب التي تنتج عندنا كما أنتجت عند غيرنا الزيادة في النظريات العلمية التي هي في تطور مستمر، والتي تنتج الوصول إلى اكتشافات جديدة تضاف إلى ما اكتشفته الجامعات الأخرى مما له صبغة علمية بحتة، ومما له تطبيقات عملية تنفع الناس في أن تسخر لهم قوى الطبيعة وموارد الطبيعة، وليس خافيا أن الجامعة إذ تقوم بهذه الرسالة تحمل عن مصر واجبها من المشاركة العامة في رقي العلوم والمعارف في العالم.
ومن رسالة الجامعة تربية شبيبة الأجيال المتعاقبة لتهيئ للبلاد قادتها في جميع مرافقها، ولا شك أن قوة الأمة ومنعتها واحتمالها صنوف المزاحمة على الحياة ليست آخر الأمر إلا نتيجة لتربيتها الجامعية.
ومن رسالة الجامعة نشر الثقافة العلمية والأدبية في جميع الطبقات سواء أكان ذلك بإباحة الانتساب إلى معاهدها المختلفة من غير قيد ولا شرط، أم بإلقاء المحاضرات العامة في العلوم والآداب والفنون، أم بنشر المؤلفات في كل فرع من الفروع.
ومن رسالة الجامعة مساعدة التطور الاجتماعي بكل ما في وسعها من ضروب التجديد في اللغة، التجديد في النثر والشعر، التجديد في نظرة الناس إلى الفنون الجميلة، والبحث في وجوه ترقيتها وشيوعها، ولا يفوتني أن أنبه إلى أن هذه الرسالة تتناول أيضا الموسيقى والغناء؛ لما لهما من الأثر الطيب في الأخلاق، بل لأنهما كذلك لهو جميل لا بد منه، وعلى كل أمة أن ترقي أسباب لهوها المرح كما عليها أن ترقي أسباب جدها العابس.
وأخيرا، فإن الجامعة بما هي من أكبر الوحدات الاجتماعية عددا وأسماها مكانة، وأخطرها مسئولية، وأشملها رسالة؛ هي بكل أولئك مصدر إشعاع يشع منه التضامن القومي، ففي العائلة يولد التضامن، وفي المدرسة ينشأ، وفي الجامعة يشب ويؤتي كل ثمراته، ويضرب المثل الأعلى للتضامن في جميع طبقات الشعب. (3) البنات: كيف التحقن بالجامعة؟
وبهذه المناسبة أنبه على سبيل الاستطراد أن خطأ الجمهور في فهم رسالة الجامعة من أنها تنحصر في تحضير موظفين لإدارة الحكومة، والواقع أن هذا الفهم لا ينبعي أن يكون من أغراض الجامعة إلا عرضا.
ويتصل بخطأ الجماهير في فهم أغراض الجامعة، تلك المسألة التي كانت شائكة قليلة الأنصار في الرأي العام، وهي مسألة قبول الفتيات المصريات طالبات في الجامعة؛ لهن ما لإخوانهن الطلبة من الحقوق، وعليهن ما عليهم من واجبات، ولا أخفي أننا قبلنا الطالبات أعضاء في الأسرة الجامعية في غفلة من الذين من شأنهم أن ينكروا علينا اختلاط الشابات بإخوانهن في الدرس؛ فقد حدث أن طلب إلي بعض عمداء الكليات في أول سنة لافتتاح جامعة فؤاد أن نقبل فيها البنات الحائزات للبكالوريا، فأسررت لهم في ذلك الحين أن هذه المسألة شائكة، وأني أشك في رضا الحكومة عنها، وعلى ذلك قررنا فيما بيننا أن نقبل البنات الحائزات على البكالوريا، من غير أن تثار هذه المسألة في الصحف أو في الخطب، حتى نضع الرأي العام والحكومة معا أمام الأمر الواقع، وقد نجحنا في ذلك، وبعد أن سرنا في هذا النهج عشر سنوات حدث ما كنا نتوقعه؛ فقد قامت ضجة تنكر علينا هذا الاختلاط، فلم نأبه لها؛ لأننا على يقين من أن التطور الاجتماعي معنا، وأن التطور لا غالب له، ومعنا العدل الذي يسوي بين الأخ وأخته في أن يحصل كلاهما على أسباب كماله الخاص على السواء، ومعنا فوق ذلك منفعة الأمة من تمهيد الأسباب لتكوين العائلة المصرية على وجه يأتلف مع أطماعنا في الارتقاء القومي؛ كل أولئك جعلنا لا نحفل بهذه الضجة التي ما لبثت أن ذهب بها الزمان! (4) فكرة أصبحت حقيقة
وفي 7 فبراير سنة 1928 احتفلت الجامعة بوضع الحجر الأساسي لمبانيها الحالية بحضور جلالة الملك فؤاد وكان هذا اليوم تاريخا مشهورا، ففي منتصف الساعة الثانية عشرة أقيم احتفال كبير في المكان الجديد بالجيزة؛ دعي إليه علية القوم من الأمراء ورجال الدين والوزراء والآداب، وبعد أن وصل الملك فؤاد، وقف وزير المعارف في ذلك الحين علي الشمسي باشا، فألقى خطبة بين يديه، ودعا الملك لوضع الحجر الأساسي بيده، وألقيت أنا خطبتي كمدير للجامعة، وقد سجلت فيها الأدوار التي مر بها التعليم في مصر، وهي ثلاثة أدوار: دور الدعاية، ودور البدء في التنفيذ، ودور التمام، فأما الدور الأول فيبتدئ من يوم 12 أكتوبر سنة 1906؛ إذ اجتمع نخبة من أهل الغيرة على التربية في دار المرحوم سعد زغلول باشا وتعاقدوا على الدعوة لإنشاء الجامعة، وقرروا فيما قرروا أن تكون الجامعة بمعزل عن السياسة، وقد أقبل الناس على الاكتتاب فيها والتبرع لها، واجتمعت جمعية المكتتبين في ديوان الأوقاف في 20 مايو سنة 1908 تحت رياسة الأمير أحمد فؤاد (الملك فؤاد الأول) وسموها الجامعة المصرية، ونفحتها الحكومة إعانة سنوية، كما نفحتها الأوقاف خمسمائة جنيه إعانة سنوية أيضا.
صفحة غير معروفة