جلست بعد حرق هذه الأوراق في مكتبي، أنتظر التفتيش والقبض حتى الصباح، ولكن لم يكن من ذلك شيء، وفي هذا الحين عين المارشال اللنبي معتمدا بريطانيا في مصر، وأعلن أنه يقبل من أي كان ما يراه في أمر وقف الثورة القائمة، وعودة السكينة والسلام إلى البلاد، فأرسل إليه الوفد تقريرا شرح فيه أسباب الثورة، وعزا حدتها إلى تصرف السلطة العسكرية العنيف، ونصح بتنصيب واحد من الثلاثة المذكورين سالفا رئيسا للحكومة، والإفراج عن المنفيين الأربعة، وإعطاء البلاد الترضية الكافية.
وعلى إثر وصول هذا التقرير إليه استدعانا وأخذ يناقشنا، حتى اقتنع بما فيه، فتألفت وزارة برياسة حسين رشدي باشا، وصدر الأمر بالإفراج عن المنفيين، وأبيح لنا السفر إلى إنجلترا على باخرة عسكرية إنجليزية، ذهبت بنا إلى مالطة، فاصطحبنا زملاءنا: سعدا، ومحمد محمود، وصدقي، وحمد الباسل، حتى إذا ما وصلنا إلى مرسيليا جاءنا تلغراف بأن مستر ويلسون رئيس الولايات المتحدة قد وافق على الحماية الإنجليزية على مصر، فكانت صدمة قوية من هذا الذي نادى بحرية الشعوب، وأعلن مبادئه الحرة التي قوبلت في العالم أجمع بالغبطة والإعجاب، وبخاصة عند الشعوب المهضومة.
في مؤتمر السلام
ذهبنا إلى باريس، وتقدمان لمؤتمر السلام، فأغلق أبوابه أمامنا، وقابلنا أعضاؤه على النحو الذي أيأسنا منه، ووصفه صديقي عبد العزيز فهمي باشا في مذكراته.
ولما وقع الخلاف بين سعد وعدلي على رياسة المفاوضات ، وانتقل الأمر إلى خصومة كان مظهرها التلاحي، اعتزلت السياسة ، ثم عرض علي أن أرجع لدار الكتب المصرية، فرجعت إليها، وأخذت أشتغل بها وبترجمتي لمؤلفات أرسطو، وبالجامعة المصرية القديمة التي كان رشدي باشا رئيسا لها، وكنت وكيلا لها.
وأذكر أني في سنة 1922 وضعت منهاجا لهذه الجامعة باعتبارها كلية للآداب، وقابلت الملك فؤاد، وعرضت عليه هذا المنهاج، وطلبت أن تجعل الحكومة شهادتها كشهادات المدارس العليا، ما دام منهاجا يقضي بموافقة الحكومة عليه وتمثيلها في الامتحانات، فكان جواب الملك فؤاد: «إن الحكومة عازمة على إنشاء جامعة، فيمكن اعتبار الجامعة القديمة كلية آداب فيها.» فاغتبطت بذلك وجمعنا مجلس إدارة الجامعة العمومية؛ ليوكل رشدي باشا في التعاقد مع الحكومة بشروط وضعت لتحقيق هذا الانضمام.
هوامش
الفصل الثالث عشر
من الجامعة إلى الوزارة
(1) كيف أسسنا الجامعة
صفحة غير معروفة