بعد ذلك اعتزم الخديو عباس أن يسافر إلى استامبول، ورغب في زيارة مديريات الوجه البحري قبل السفر، مظاهرة كان يريد بها إقناع الإنجليز بأن البلاد تحبه وتتعلق به، فدعاني إليه عثمان مرتضى باشا رئيس الديوان الخديوي في ذلك الحين، وقال لي: إن سمو الخديو يحب في سفرته هذه أن يزور والدك في البلد، فهل لكم بيت في السنبلاوين؟
قلت: «نعم»، قال: «إذن تستقبلونه هناك.»
فقلت: «وهو كذلك.»
وشكرت للخديو هذا العطف ودعوت له بطول البقاء.
ثم قام الخديو بزيارة الوجه البحري، واستقبلناه بالسنبلاوين في حفل من العمد والأعيان، وسر أبي سرورا عظيما بهذه الزيارة، وصحبناه إلى الإسكندرية حتى ركب البحر .
الفصل العاشر
عرفت تولستوي وفتحي زغلول
(1) ليو تولستوي
في نوفمبر سنة 1910 توفي رجل الإنسانية والسلام ليو تولستوي، وكنت وقتئذ في قريتي، فبعثت إلى الجريدة برأي في هذا الرجل العظيم بمناسبة وفاته في ذلك الحين فقلت: أحاول أن أكتب كلمة عن تولستوي؛ حيث أنا الآن في قريتي، تحيط بي أشباه المناظر التي كان يحبها تولستوي، يحبهم ويتفطر قلبه إشفاقا عليهم، رحمة بهم أن يقتربوا من المدائن فتحرقهم نار الشهوات، وتلعب بقلوبهم البريئة شياطين الأطماع الخسيسة، فتغير مجرى فطرتهم الصالحة إلى عادات البذخ والترف، وتجري ألسنتهم على الكذب وتسكن أمزجتهم إلى رؤية الزور، وسماع الهجر من القول والصبر على الباطل.
أكتب عن هذا الرجل الكبير، حيث أنا فيما كان يحبه، رحمه الله من السكينة، لا أسمع إلا حفيف الهواء، وصهيل الخيل، وصياح الدجاج، ونعيق الغراب، وصفير العصافير، فلا شك أني في أليق ظرف من الزمان والمكان.
صفحة غير معروفة