يا أيها السيف السعيد، يا أمضى المواضي، لقد عز لك النديد والنظير، فإن القين الذي طبعك لم يطبع لك أخا، وإذا ضربت لم يستطع الفرار من ضربتك أحد.
ثم ضرب به صخرة قسمته نصفين مخافة أن يسقط في يد جبان أو مسلم، ثم نفخ بجمع قوته في بوقه الذي كان صوته يحطم الأبواق، حتى انفجرت أوداجه.
وأرسل بوقه المحزون صوتا
فردد فونترابيان صداه
ووصل الصوت إلى أذن شارلمان وهو في معسكره على ثمانية أميال غير عالم بالمصيبة التي حلت بمؤخرة جيشه، وكاد الملك يهم بنجدة صاحب البوق المستصرخ، لولا أن أحد الخونة أخبره بأن رولند ينفخ في بوقه للصيد، وهكذا لم يسعف شارلمان قائده الأمين الذي فاظ بعد أن رتل صلاته وأدى اعترافه، ثم أسرع بولدوين إلى شارلمان - وكان من نبلاء فرنسا - وأخبره بما حاق بمؤخرة الجيش وبموت رولند وأوليفر، عندئذ حول الملك عنان فرسه وعاد بجيشه إلى رونسسفال، فرأى الجثث مبعثرة في الميدان، ورأى جثة البطل ممددة على هيئة الصليب وبوقه وسيفه المحطم إلى جانبه، فوقف يندبه في حزن وأسى، وهو يردد الزفرات، ويعول إعوال الثكالى، ويضرب كفا بكف، وينتف لحيته، ويقول:
يا يدي اليمنى، يا فخر الإفرنج، ويا سيف العدل، ويا رمحا لا يلين ودرعا لا تحطم، يا ترس الطمأنينة والسلام، يا حامي المسيحية وسوط عذاب الإسلام، يا حائط القساوسة، وصديق الأرامل واليتامى، يا أمين الرأي، ويا صادق الحكم، ويا أشرف قومك، ويا أشجع قائد لجيش، لم تركتك هنا لتموت؟ كيف أراك ميتا ولا أموت بعدك؟! لماذا تركتني حزينا وحيدا، وخلفتني ملكا بائسا مسكينا؟ ولكنك رفعت إلى السماء، وأصبحت تسعد بصحبة الملائكة والشهداء.
وهكذا ظل شارلمان يبكي رولند ويندبه طيلة حياته، ثم أقام الجنود في البقعة التي مات بها، وضمخوا جسده بالبلسم والطيب، وسهر الجيش على حراسته يرتل الأدعية ويتلو الأناشيد ويوقد النيران على قمم الجبال حوله، ثم حمله الجنود معهم واحتفلوا لدفنه كما يحتفل للملوك، وهكذا انتهى هذا اليوم الأسود ...
حيث رونسسفال كانت
للفرنج الحمس لحدا
أليفر لاقى بها الحت
صفحة غير معروفة