حتى أصبحوا يؤثرون الخضوع لعدو الإسلام اللدود على قبول هذا الأمير الجديد.
وكان ما طلبوه من شارلمان محبوبا إلى نفسه، ملائما للفرصة التي كان يتوقعها، وكان الدهر في هذا الحين مبتسما لشارلمان؛ لأنه أتم إخضاع السكسون ونفى زعيمهم «وتكند» وأقبلت الألوف من أصحابه إلى بادربون للدخول في المسيحية زمرا، وأصبحت يد الفاتح حرة طليقة تتجه أنى شاءت للغلب والانتصار.
فتم الاتفاق بين المتآمرين على أن يغزو شارلمان إسبانيا، بينما يعمل الزعماء الساخطون على توجيه الجيش العربي إلى ثلاث جهات متباعدة، وكان من حسن طالع أمير قرطبة أن هذا الاتفاق الخطر لم يتم منه شيء، فإن حلفاء شارلمان أخطئوا في حسبان الزمن، ثم تنازعوا وصاحت صائحة الحرب بينهم، فلما اخترق شارلمان البرت سنة 777م/161ه لم يجد ناصرا ولا معينا، فأخذ يحاصر سرقسطة، وبينما هو عند أسوارها إذ وصلت إليه الأخبار بأن «وتكند» عاد وأثار السكسون وتقدم بهم حتى وصل إلى كولون، فلم يجد شارلمان بدا من أن يعود أدراجه لحماية مملكته، فاقتحم بجيشه شعاب الجبال، وفي شعب رونسسفال
6
نزلت بمؤخرته كارثة فادحة قضت عليها، فإن البشكنش - وقد أحرقت صدورهم العداوة القديمة الدائمة للإفرنج - وضعوا لهم كمينا في أغوار صخور البرت، وانتظروا حتى إذا مرت مقدمة الجيش من الشعب انقضوا على المؤخرة وكانت بطيئة السير محملة بالأثقال، فاستأصلوا رجالها حتى لم يكد يفر منهم أحد من يد الموت.
ويقص علينا المؤرخون المسيحيون ما تقشعر له الأبدان من مذابح هذا اليوم، وذكروا أن المسلمين وفرسان ليون تعاونوا على تحطيم جيش الإفرنج، وتصور لنا أنشودة إسبانية كيف أن البطل برناردو كان يقود فرسان ليون في مذبحة جيش الإفرنج فتقول:
مشى برنارد في جيش خضم
يسوق إلى الفرنج به أسودا
ليحمي أرض إسبانيا ويعلي
شعار «بلاي» والشرف التليدا
صفحة غير معروفة