وخلال الساعات التالية أصر أن يعذبني بقصصه مع برنامج اللوتري الأمريكي ورغبته في الهجرة من بلد لا يقدر مواهبه، معاناته مع زوجته وهروبها مع عشيقها، مديره المتسلط، زحام المواصلات، تقلب الجو، مؤامرات الماسونية، ومشاكل الإصلاحات السياسية وتحديات التنمية في دولة الكنغو، بينما كنت أهز رأسي في سأم وأفكر في كيفية طرده، أو إشعاره بأنه غير مرغوب فيه، تشاغلت عنه أثناء حديثه ولم يفهم، قرأت كتابا ولم يفهم، تثاءبت ولم يفهم، غططت في النوم وارتفع صوت شخيري، فأيقظني وسألني بفضول «هل نمت؟» ثم عاد لكرسيه واستمر في تعذيبي.
ثم أشرق وجهه فجأة من بين حديثه، وهو يخرج صورة فوتوغرافية من جيبه، قال شيئا ما عن تعارف بالبريد الإلكتروني بينه وبين فتاة ما تقيم في أحد دول المهجر، كانت الصورة له وهو يأخذ وضعية المفكر إياها، مع الكثير من فلاتر تحسين الصورة لجعله يبدو أجمل مما هو عليه في الواقع.
يضع سبابته على خده، وينظر للكاميرا في هيام واضح، وعلى وجهه أغبى ابتسامة يمكنك أن تراها. في الخلفية صورتان مصغرتان له؛ في الأولى يضع الهاتف المحمول على أذنه متظاهرا بالانهماك في مكالمة مع مدير أعماله، وهو ينظر للكاميرا بطرف عينه. أما الثانية - وهي ألعن - فقد كان يحمل أزهارا بلاستيكية ويتظاهر باستنشاقها في هيام، مع حشد من القلوب المنفطرة التي تقطر دما!
الآن يمكنك تفهم دوافعي لقتله يا حضرة المحقق.
أليس كذلك؟!
3
في الجامعة كنت مشغول الذهن أثناء المحاضرة، وقد ظللت أنسى الموضوع الذي أتحدث عنه عدة مرات، فينبهني أحد الطلاب ضاحكا أين توقفت وماذا كنت أقول، كنت متشوقا للعودة للبيت وقراءة الكتاب، فلم يترك لي «سعيد» وقتا بالأمس لمطالعته، لم يفارقني اللعين إلا عندما اعتذرت له صراحة لرغبتي في النوم، وراح يتمتم بعبارات الشكر لحسن ضيافتي وأنا أدفعه أمامي متعجلا، ويعدني بزيارة أخرى.
وكأن الأحمق لم يفهم بعد أنني أطرده من منزلي!
عدت للمنزل، كانت «أم بركة» قد انصرفت للتو على ما يبدو؛ فالشقة كانت نظيفة ورائحة بخور عطر تطغى عليها، دلفت للمكتبة وفتحت الكتاب!
في المقدمة يقول الكاتب إنه قام بتشفير وصفات استحضار الجن في الكتاب، مفتاح الشفرة نفسه موجود بالكتاب، وقد اضطر لفعل هذا حتى لا يتعرض أي شخص للخطر إذا ما وقع الكتاب في يده بالصدفة، هكذا لن يفيد الكتاب أحدا إلا إذا كان يعرف ما يريده منه بالضبط، وهو تصرف نبيل من المستر أحمد بن البوني بعد كل شيء. «افهم ترشد»، «افهم ترشد»!
صفحة غير معروفة