لهذا يا سيدي الطائر لا أؤمن بالتاريخ، كلهم كاذبون.
كلهم منافقون مدعون، مجرمون وقتلة.
1
هل انتهى دوري في السيجارة؟ خذ يا صديق.
عينا «بكري» محمرتان محتقنتان بالدم، يأخذ مني السيجارة في تراخ. ينفث الدخان في بطء وتلذذ. يبلع الدخان ويحبسه في صدره لبرهة، تزداد معها عيناه جحوظا واحمرارا، ثم يخرجه دفعة واحدة مع سعال طويل متقطع، يسترخي أكثر في جلسته على الأرض، وتسبح عيناه مسبلتان في الحائط المقابل، يرى فيه ما لا أراه. - «البنقو ده نضيف يا مان.»
يقولها ذاهلا، أهز رأسي مؤكدا.
هذا الحزن الذي يطل من خلف جفوني المسبلة محصلة كل شيء.
هذا الشحوب الذي يعتري ملامحي كان حتميا.
وكل ما تمنيته، من أضع رأسي على صدرها وأشكو لها كل شيء.
سأحكي لها عن الطفل الشرير الذي قابلني في استراحة الإفطار في المدرسة وسرق غدائي، عن البائع النصاب الذي خدعني بالهاتف المعطوب، عن الشرطي الذي ضربني في مركز الشرطة بكل غل الدنيا، عن أرقي الدائم، ونوبات الصداع، عن الشعور الممض بغربتي عن ذاتي، وإحساس الضياع المخيف الذي يلف كهولتي.
صفحة غير معروفة