وذلك لأن ذات الثوب الأسود كانت تعطيني قطعا من الحلوى، ولذا فكنت أزورهما بمفردي ، وكان يجب أن أجتاز البراح
2
في ذهابي إليهما؛ ولذا كانت والدتي تطل علي من النافذة حين ذهابي، وكانت تطرق الزجاج إذا ما نسيت نفسي مدة طويلة وأنا أتفرج على السائق وهو يعنى بالجياد وينظفها.
ولقد كان صعود السلم ذي «الدرابزين» الحديدي عملا شاقا متعبا، وكانت الدرجات الأخيرة من هذا السلم عالية لم تصنع لقدمي الصغيرتين، وكنت أكافأ على تعبي بمجرد دخولي إلى حجرة السيدتين؛ إذ كانت هذه الغرفة تحوي آلاف أشياء تلقي بي إلى غمرة من السرور والانشراح، ولكن لم يكن هناك شيء يوازي الدميتين المصنوعتين من «الصيني» اللتين كانتا موضوعتين على المدفأة، كل واحدة من إحدى ناحيتي الساعة، فكانتا تحركان رأسيهما بنفسهما.
وقد علمت أنهما أتتا من الصين فوعدت أن أذهب إليها، وكانت الصعوبة في أن تقودني خادمتي إلى هناك، وقد كنت تأكدت أن الصين تقع خلف قوس النصر
3
ولكن مع ذلك لم أجد طريقة للذهاب إليها.
وكان في غرفة السيدتين كذلك سجادة عليها أزهار، فكنت أتقلب عليها بسعادة، و«كنبة» ناعمة وثيرة كنت أستعملها سفينة في بعض الأحيان، أو حصانا، أو عربة في أحيان أخرى. وكانت ذات الثوب الأسود سمينة - على ما أظن - لطيفة جدا، وكانت لا تعنفني البتة. أما ذات الثوب الأبيض فكان من معائبها نفاد صبرها وغلظتها، ولكنها كانت تضحك بلطف متناه!
وكنا نعيش في نعيم الحياة الزوجية نحن الثلاثة، وكنت قد قررت في رأسي أنه لن يحضر غيري البتة إلى غرفة الدميتين، ولكن ذات الثوب الأبيض هزأت مني على ما يظهر مدة طويلة حين أخبرتها جزءا من هذا القرار، ولكني صممت فوعدتني بكل ما أطلب.
لقد وعدت، ومع ذلك ففي ذات يوم وجدت رجلا جالسا على «كنبتي» وواضعا رجليه على سجادتي، ومحادثا سيدتي بهيئة المغرور، بل لقد أعطاهما خطابا ردتاه إليه بعد قراءته، ولم يرضني ذلك فطلبت ماء مذابا فيه السكر؛ لأني كنت ظمآنا، ولأني كنت أريد أن ينتبهوا إلى وجودي، ولقد تم هذا فنظر إلي الرجل، وقالت ذات الثوب الأسود: إنه جار صغير.
صفحة غير معروفة