ومن تلك اللحظة استمر على الذهاب إلى الكنيسة في الوقت الذي تكون مقفرة فيه من المصلين ليس بها أحد، وكان يمضي هناك وقتا طويلا من الزمن الذي خصصه الرهبان الآخرون لمزاولة فنونهم العلمية والصناعية؛ وبذلك ذهب الحزن عن نفسه، ولم يعد يشكو البتة.
وكان ذلك الشذوذ الغريب مثارا لشوق الرهبان ورغبتهم في استطلاع ما ورائه، فكانوا يتساءلون عند اجتماعهم عن السبب الذي كان يدعو الراهب برنابا لأن يكثر من الانفراد في الكنيسة.
ولما كان من واجب الرئيس أن يطلع على كل ما يأتونه من الأعمال؛ فإنه عزم على مراقبة برنابا عند انفراده.
ففي يوم من الأيام إذ كان برنابا منفردا في الكنيسة، حضر الأب الرئيس بصحبة راهبين من أكبر الرهبان سنا، وأخذوا يراقبون من شقوق الباب ما كان يحدث داخل الكنيسة.
رأوا برنابا أمام مذبح السيدة العذراء، رأوه ورأسه على الأرض ورجلاه في الهواء، وكان يلعب وهو في هذا الموقف بست كرات نحاسية واثنتي عشرة سكينا! واستمر في القيام بعمل تلك الألعاب التي كان قد اتخذها صنعة، والتي صادفت أعظم استحسان في الماضي! ولكنه كان الآن يقوم بتلك الألعاب تكريما لأم الإله المقدسة.
ولم يفهم الراهبان الكبيران أن ذلك الرجل البسيط قد وضع مواهبه وعلمه في خدمة العذراء المقدسة، فصاحا واحتجا بأن ما يصنعه هذا الرجل يعد تدنيسا محرما واستباحة لحرمة المعبد.
وكان الرئيس يعلم أن برنابا طاهر القلب، لكنه رجح أنه لا بد أن يكون قد أصيب بمس في عقله، وكانوا يستعدون للدخول والإسراع بإخراجه من الكنيسة، ولكنهم رأوا فجأة العذراء المقدسة تنزل درجات المذبح كي تجفف العرق الذي كان يتساقط من جبهة المهرج بثنية من ثنيات طرحتها الزرقاء.
وقال الرئيس وقد ركع على الأرض وأحنى رأسه حتى واجهت السلم الرخامي: «طوبى لأتقياء القلوب؛ لأنهم سيرون الله.»
وردد الراهبان وهما يقبلان الأرض: «آمين.»
صفحة غير معروفة