قصص الأنبياء

ابن كثير ت. 774 هجري
34

قصص الأنبياء

محقق

مصطفى عبد الواحد

الناشر

مطبعة دار التأليف

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٣٨٨ هـ - ١٩٦٨ م

مكان النشر

القاهرة

وَقَدْ أَوْرَدَ أَصْحَابُ الْقَوْلِ الثَّانِي سُؤَالًا يَحْتَاجُ مِثْلُهُ إِلَى جَوَابٍ، فَقَالُوا: لَا شَكَّ أَنَّ اللَّهَ ﷾ طَرَدَ إِبْلِيسَ حِينَ امْتَنَعَ مِنَ السُّجُودِ عَنِ الْحَضْرَةِ الْإِلَهِيَّةِ، وَأَمَرَهُ بِالْخُرُوجِ عَنْهَا وَالْهُبُوطِ مِنْهَا وَهَذَا الْأَمْرُ لَيْسَ مِنَ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ بِحَيْثُ يُمْكِنُ مُخَالَفَتُهُ، وَإِنَّمَا هُوَ أَمْرٌ قَدَرِيٌّ لَا يُخَالَفُ وَلَا يُمَانَعُ، وَلِهَذَا قَالَ: " اخْرُج مِنْهَا مذءوما مَدْحُورًا ". وَقَالَ: " اهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تتكبر فِيهَا " وَقَالَ: " اخْرُج مِنْهَا فَإنَّك رجيم " وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ إِلَى الْجَنَّةِ أَوِ السَّمَاءِ أَوِ الْمنزلَة. وأياما كَانَ فمعلوم أَنه لَيْسَ لَهُ الْكَوْن قدرا فِي الْمَكَانِ الَّذِي طُرِدَ عَنْهُ وَأَبْعَدُ مِنْهُ، لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَا عَلَى سَبِيلِ الْمُرُورِ وَالِاجْتِيَازِ. قَالُوا: وَمَعْلُومٌ مِنْ ظَاهِرِ سِيَاقَاتِ الْقُرْآنِ أَنَّهُ وَسْوَسَ لِآدَمَ وَخَاطَبَهُ بِقَوْلِهِ لَهُ: " هَل أدلك على شَجَرَة الْخلد وَملك لايبلى " وَبِقَوْلِهِ: " مَا نها كَمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ. وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكمَا لمن الناصحين. فدلاهما بغرور.." الْآيَةَ وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي اجْتِمَاعِهِ مَعَهُمَا فِي جَنَّتِهِمَا. وَقَدْ أُجِيبُوا عَنْ هَذَا بِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهِمَا فِي الْجَنَّةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُرُورِ فِيهَا لَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِقْرَارِ بهَا، وَأَنه وَسْوَسَ لَهُمَا وَهُوَ عَلَى بَابِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ تَحْتِ السَّمَاءِ. وَفِي الثَّلَاثَةِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَمِمَّا احْتَجَّ بِهِ أَصْحَابُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ: مَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ فِي الزِّيَادَاتِ عَنْ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ، عَنْ حُمَيْدٍ، عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيّ، عَن يحيى بن ضَمْرَةَ السَّعْدِيُّ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، قَالَ: إِن آدم لما احْتضرَ اشْتهى " م ٢ - قصَص الانبياء ١ "

1 / 17