قصص الأنبياء

ابن كثير ت. 774 هجري
32

قصص الأنبياء

محقق

مصطفى عبد الواحد

الناشر

مطبعة دار التأليف

رقم الإصدار

الأولى

سنة النشر

١٣٨٨ هـ - ١٩٦٨ م

مكان النشر

القاهرة

وَإِنَّمَا الْخِلَافُ الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي أَنَّ هَذِهِ الْجنَّة الَّتِى أدخلها آدَمُ: هَلْ هِيَ فِي السَّمَاءِ أَوْ فِي الْأَرْضِ، هُوَ الْخِلَافُ الَّذِي يَنْبَغِي فَصْلُهُ وَالْخُرُوجُ مِنْهُ. وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهَا هِيَ الَّتِي فِي السَّمَاءِ وَهِيَ جَنَّةُ الْمَأْوَى، لِظَاهِرِ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: " وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وزوجك الْجنَّة " والانف وَاللَّامُ لَيْسَتْ لِلْعُمُومِ وَلَا لِمَعْهُودٍ لَفْظِيٍّ، وَإِنَّمَا تَعُودُ عَلَى مَعْهُودٍ ذِهْنِيٍّ، وَهُوَ الْمُسْتَقِرُّ شَرْعًا مِنْ جَنَّةِ الْمَأْوَى، وَكَقَوْلِ مُوسَى ﵇ لِآدَمَ ﵇: " عَلَامَ أَخْرَجْتَنَا وَنَفْسَكَ مِنَ الْجَنَّةِ؟ ... " الْحَدِيثَ كَمَا سَيَأْتِي الْكَلَامُ عَلَيْهِ. وَرَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي مَالِكٍ الاشجعى - واسْمه سعد ابْن طَارِقٍ - عَنْ أَبِي حَازِمٍ سَلَمَةَ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَأَبُو مَالِكٍ عَنْ رِبْعِيٍّ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " يَجْمَعُ اللَّهُ النَّاسَ فَيَقُومُ الْمُؤْمِنُونَ حِينَ تَزْلُفُ لَهُمُ الْجَنَّةُ. فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ: يَا أَبَانَا اسْتَفْتِحْ لَنَا الْجَنَّةَ، فَيَقُولُ: وَهَلْ أَخْرَجَكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ إِلَّا خَطِيئَةُ أَبِيكُمْ؟ " وَذَكَرَ الْحَدِيثَ بِطُولِهِ. وَهَذَا فِيهِ قُوَّةٌ جَيِّدَةٌ ظَاهِرَةٌ فِي (١) الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى، وَلَيْسَتْ تَخْلُو عَنْ نَظَرٍ. وَقَالَ آخَرُونَ: بَلِ الْجَنَّةُ الَّتِي أُسْكِنَهَا آدَمُ لَمْ تَكُنْ جَنَّةَ الْخلد، لانه (٢) كلف فِيهَا أَلا يَأْكُلَ مِنْ تِلْكَ الشَّجَرَةِ، وَلِأَنَّهُ نَامَ فِيهَا وَأَخْرَجَ مِنْهَا، وَدَخَلَ عَلَيْهِ إِبْلِيسُ فِيهَا، وَهَذَا مِمَّا يُنَافِي أَنْ تَكُونَ جَنَّةَ الْمَأْوَى. وَهَذَا الْقَوْلُ مَحْكِيٌّ عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَوَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ وَسُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ قُتَيْبَةَ فِي الْمَعَارِفِ، والقاضى مُنْذر بن سعيد

(١) ١: على. (٢) ا: لانها. (*)

1 / 15