قلادة النحر في وفيات أعيان الدهر
الناشر
دار المنهاج
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٨ هـ - ٢٠٠٨ م
مكان النشر
جدة
تصانيف
رسول الله ﷺ إلى بني قريظة (١)، فلم يعنف النبي ﷺ أحدا منهم، فلما اشتدت وطأته عليهم .. أرسلوا إليه: أن أرسل إلينا أبا لبابة، فأرسله إليهم، فتلقاه النساء والصبيان يبكون في وجهه، فرقّ لهم لولائه منهم، فقالوا: أترى أن ننزل على حكم محمد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه-[يعني]: أنّ حكمه القتل-ثم ندم أبو لبابة لكونه قد خان الله ورسوله، فلم يرجع إلى النبي ﷺ، بل راح إلى المسجد، وربط نفسه بسارية، وأقام على ذلك سبعة أيام لا يذوق ذواقا حتى خر مغشيا عليه، فتاب الله عليه، فنزل فيه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ،﴾ وآية توبته: ﴿وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا،﴾ الآية، ولم يطأ بلد بني قريظة بعدها، وكان له بها أموال وأشجار (٢).
وسأل بنو قريظة النبي ﷺ أن يقبل منهم ما قبل من إخوانهم بني النّضير، فأبى عليهم، فلما أيسوا من ذلك .. نزلوا على حكمه ﷺ، فشفع فيهم حلفاؤهم الأوس كما شفعت الخزرج في حلفائهم بني قينقاع، فقال النبي ﷺ للأوس: «ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟» قالوا: بلى، قال: فذلك إلى سعد بن معاذ، وكان سعد قد جعله النبي ﷺ في خيمة في جانب مسجده؛ ليعوده من قريب، فأتاه قومه فاحتملوه على حمار، وأقبلوا به إلى النبي ﷺ، وهم يقولون: يا أبا عمرو؛ أحسن إلى مواليك، فقال لهم: قد آن لسعد ألاّ تأخذه في الله لومة لائم، فحينئذ أيس قومه من بني قريظة ونعوهم إلى أهليهم قبل أن يحكم، ولما أقبل إلى النبي ﷺ .. قال لمن عنده: «قوموا إلى سيدكم»، فحكم سعد ﵁ بقتل الرجال وسبي الذراري والنساء وقسمة الأموال، فقال له النبي ﷺ: «لقد حكمت بحكم الله تعالى»، وربما قال: «بحكم الملك» (٣).
فحبسهم النبي ﷺ في بيت واحد، وخد لهم أخاديد في موضع سوق المدينة، فخرج بهم أرسالا، تضرب أعناقهم، ثم يلقون في الأخاديد (٤)، وترك منهم من
(١) أخرجه البخاري (٤١١٨). (٢) انظر «دلائل البيهقي» (٤/ ١٣)، و«طبقات ابن سعد» (٢/ ٧١)، و«تاريخ الطبري» (٢/ ٥٨٣). (٣) سبق تخريجه في ترجمة سيدنا سعد بن معاذ ﵁ (١/ ٨٥). (٤) أخرجه البيهقي في «الدلائل» (٤/ ٢٢)، والطبري في «التاريخ» (٢/ ٥٨٨) والأخاديد-جمع أخدود-وهو: الشق المستطيل في الأرض.
1 / 225