197

يسبق العموم وسبق الغير علامة المجاز وما يقال ان إرادة الباقي معلومة بدون القرينة وإنما المحتاج إليها هو خروج غيره ففيه أن العلم بإرادة الباقي إنما هو لأجل دخوله تحت المراد وذلك لا يوجب كونه حقيقة فيه إنما الذي يقتضي كون اللفظ حقيقة هو سبق المعنى والعلم بإرادته على أنه نفس المراد ولا يحصل ذلك فيما نحن فيه إلا بالقرينة وهو معنى المجاز واحتج من قال بأنه حقيقة إن بقي غير منحصر أن معنى العموم حقيقة هو كون اللفظ دالا على أمر غير منحصر في عدد وأجيب بمنع كون معناه ذلك بل معناه تناوله للجميع وقد صار الآن لغيره فصار مجازا مع أن الكلام في صيغ العموم لا في نفس العام فكما أن كون إفعل حقيقة في الوجوب لا يقتضي كون مفهوم الامر كذلك وكذلك لا يقتضي كون مفهوم الامر معتبرا فيه الايجاب كون صيغة إفعل حقيقة في الوجوب فهكذا ما نحن فيه ونظير ذلكم أيضا أن كون الهيئة الاستثنائية حقيقة في المنقطع لا يقتضي كون الاستثناء حقيقة فيه ليرد أنه ليس بإخراج ما لولاه لدخل احتج القائل بأنه حقيقة إن خص بغير مستقل بأن لفظ العام حال انضمام المخصص المتصل ليس مفيدا للبعض أعني ما عدا المخرج بالمخصص لأنه لو كان كذلك لما بقي شئ يفيده المخصص فلا يكون مجازا في البعض بل المجموع منه ومن المتصل يفيد البعض حقيقة وفيه انه إن أراد عدم إفادته البعض بخصوصه بحسب الوضع فلا كلام لنا فيه وإن أراد أنه لا يفيد البعض بحسب إرادة اللافظ فهو ممنوع غاية الامر عدم الإفادة من حيث هو وأما مع انضمام المخصص فلا ريب في إفادته ذلك كما هو المدار في المجازات وأما المخصص فهو يدل على إخراج البعض الآخر أيضا وأيضا يرجع هذا الكلام إلى اختيار مذهب القاضي في رفع التناقض عن الهيئة الاستثنائية ولفظ العام حينئذ إما حقيقة في معناه والنسبة إلى الباقي وقع بعد الاخراج وإما أنه ليس بحقيقة ولا مجاز إن قلنا بالوضع الجديد وقد عرفت بطلانهما سابقا واستدل أيضا بأنه لو كان التقييد بما لا يستقل موجبا لتجوز في نحو الرجال المسلمون وأكرم بني تميم إن دخلوا وأكرم الناس إلا الجهال لكان نحو المسلمون للجماعة والمسلم للجنس أو العهد وألف سنة إلا خمسين عاما مجازات واللوازم باطلة أما الأولان فإجماعا وأما الأخير فبالتزام الخصم بيان الملازمة أن كل واحد من المذكورات يقيد بقيد هو كالجزء له وقد صار به لمعنى غير ما وضع له أولا وهي بدونه للمنقول عنه ومعه للمنقول إليه ولا يحتمل غيره وقد جعلتم ذلك موجبا للتجوز فالفرق تحكم والتحقيق في الجواب إنك إن أردت أن لفظة مسلم في المسلمون والمسلم حقيقة مع تغيير معناه بسبب القيد فهو ممنوع فيكف يدعي الاتفاق عليه وإن أردت أن المسلمون حقيقة في الجماعة والمسلم في الجنس أو العهد فهو إنما يثبت حقيقة

صفحة ٢٦٣