39

============================================================

ومن عجيب ما جرى للخطير أنه كان يوما جالسا فى ديوانه فى حجرة موسومه بديوان الجيش من قصر السلطان بمصر، وكانت حجرة حسنة مرخمة منمقة، فجاءه قوم وقالوا له : قم من ها هنا . فقال لهم : ما الخبر؟ فقالوا : قد تقدم الملك العادل ابو بكر بن أيوب بأخذ رخام هذه الحجرة وآن يعمر به موضعا آخر. فخرج

منكسرأ كاسفا ، فقيل له فى ذلك فقال : قد استجيبت فينا دعوة ، وما اظننى أجلس فى ديوان بعدها . أما سمعتم إذا بالغوا فى الدعاء علينا قالوا خرب الله ديوانه؟

وما بعد الخراب إلا اليباب. ثم دخل منزله أوحم فلم يخرج منه إلا ميتا، فلما مات خلفه ابنه الأسعد هذا على ديوان الجيش وتصدر فيه مدة طويلة، ثم أضيف إليه فى الأيام الصلاحية والعزيزية ديوان المال، وهو آجل ديوان من دواوين مصر، وتصدر فيه واختص بصحبة القاضى الفاضل عبد الرحيم بن على (1) البيسانى ونفق (1) عليه، وحظى عنده ، وكرم لديه ، فقام بأمره ، وأشاع من ذكره، ونبه على فضله، وصنف له عدة تصانيف باسمه. ولم يزل على ذلك إلى أن ملك الملك العادل أبو بكر بن أيوب الديار المصرية، وكان وزيره والمدبر لدولته الصفى عبد الله بن على بن شكر ، وكان يينه وبين الأسعد ذحل (2) قديم ايام رياسته عليه ، ووقعت من الأسعد إهانة فى حق ابن شكر فحقدها عليه إلى أن كن منه. فلما ورد مصر أحضر الاسعد إليه، واقبل بكليته عليه، وفوض إليه جميع الدواوين التى كانت باسمه قديما ، وبقى على ذلك سنة كاملة، ثم عمل له ت المؤامرات، ووضع عليه الحالات ، وأكتر فيه التأويلات، ولم يلتفت إلى أعذاره ، ولا أعاره طرفا لاعتذاره، فنكبه نكبة قبيحة، ووجه عليه أموالا كثيرة، وطالبه بها فلم يكن له وجه لأنه كان عفيفا ذا مروءة ، فأحال عليه الآجناد فقصدوه (1) لعله بقصد وتفقه (2) أى ثأر أو عداوة.

صفحة ٣٩