قواعد الأحكام في مصالح الأنام

العز بن عبد السلام ت. 660 هجري
160

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

الناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

مكان النشر

القاهرة

وَقَدْ نَظَرْت فِي الْقُرْآنِ فَوَجَدْته يَنْقَسِمُ إلَى أَقْسَامٍ: أَحَدُهَا الثَّنَاءُ عَلَى الْإِلَهِ، وَالثَّانِي: الْأَحْكَامُ، وَالثَّالِثُ: تَوَابِعُ الْأَحْكَامِ وَمُؤَكِّدَاتُهَا وَهِيَ أَنْوَاعٌ: أَحَدُهَا: مَدْحُ الْأَفْعَالِ وَذَمُّهَا تَرْغِيبًا فِي مَمْدُوحِهَا، وَتَزْهِيدًا فِي مَذْمُومِهَا وَهَذَا ضَرْبٌ مِنْ التَّأْكِيدِ. النَّوْعُ الثَّانِي: مَدْحُ الْفَاعِلِينَ تَرْغِيبًا لِلْعِبَادِ فِي الدُّخُولِ فِي مِدْحَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الَّتِي هِيَ زَيْنٌ لِلطَّائِعِينَ. النَّوْعُ الثَّالِثُ: ذَمُّ الْغَافِلِينَ تَنْفِيرًا مِنْ الدُّخُولِ فِي مَذَمَّةِ اللَّهِ الَّتِي هِيَ شَيْنٌ لِلْعَاصِينَ. وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ لِسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وَخَاتَمِ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ: «يَا مُحَمَّدُ اعْطِنِي فَإِنَّ مَدْحِي زَيْنٌ وَهَجْوِي شَيْنٌ، فَقَالَ ﷺ: ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ» . النَّوْعُ الرَّابِعُ: الْوَعْدُ بِأَنْوَاعِ الثَّوَابِ الْآجِلِ تَرْغِيبًا فِي تَحْصِيلِ مَصَالِحِ الطَّاعَاتِ. النَّوْعُ الْخَامِسُ: الْوَعِيدُ بِأَنْوَاعِ الْعِقَابِ الْآجِلِ تَنْفِيرًا مِنْ الْمَعَاصِي وَالْمُخَالَفَاتِ. النَّوْعُ السَّادِسُ: الْوَعْدُ بِأَنْوَاعِ الثَّوَابِ الْعَاجِلِ، فَإِنَّ النُّفُوسَ قَدْ جُبِلَتْ عَلَى حُبِّ الْعَاجِلَةِ وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا﴾ [الطلاق: ٢] ﴿وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: ٣]، ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: ٤] . وَكَذَلِكَ بَيَانُ مَا فِي الْفِعْلِ مِنْ الْمَصْلَحَةِ الْعَاجِلَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ [فصلت: ٣٤]، وَكَقَوْلِهِ: ﴿إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ﴾ [محمد: ٧]، فَإِنَّ فِي مَصْلَحَةِ الْفِعْلِ حَثًّا عَلَيْهِ وَتَرْغِيبًا فِيهِ.

1 / 162