قواعد الأحكام في مصالح الأنام

العز بن عبد السلام ت. 660 هجري
154

قواعد الأحكام في مصالح الأنام

الناشر

مكتبة الكليات الأزهرية

مكان النشر

القاهرة

الثَّانِي: حُقُوقُ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى بَعْضٍ، وَضَابِطُهَا جَلْبُ كُلِّ مَصْلَحَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ مَنْدُوبَةٍ، وَدَرْءُ كُلِّ مَفْسَدَةٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ مَكْرُوهَةٍ. وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى فَرْضِ عَيْنٍ وَفَرْضِ كِفَايَةٍ، وَسُنَّةِ عَيْنٍ وَسُنَّةِ كِفَايَةٍ، وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ وَنَدْبِهِ فِي كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ فَرْضِ عَيْنٍ. وَالشَّرِيعَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعًا قَوْله تَعَالَى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ﴾ [المائدة: ٢]، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْمَفَاسِدِ، وَأَمْرٌ بِالتَّسَبُّبِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وقَوْله تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى﴾ [النحل: ٩٠]، وَهَذَا أَمْرٌ بِالْمَصَالِحِ وَأَسْبَابِهَا، وَنَهْيٌ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ الْمَفَاسِدِ وَأَسْبَابِهَا. وَالْآيَاتُ الْآمِرَةُ بِالْإِصْلَاحِ وَالزَّاجِرَةِ عَنْ الْإِفْسَادِ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ، وَعَنْ النَّهْيِ عَلَى الْإِفْسَادِ الْمُتَعَلِّقِ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ. فَمِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْأَمْرِ قَوْله تَعَالَى: ﴿وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ﴾ [آل عمران: ١١٥]، وَقَوْلُهُ: ﴿إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ﴾ [الأنبياء: ٩٠]، وَقَوْلُهُ: ﴿فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ [الأنبياء: ٩٤]، وَقَوْلُهُ: ﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ [الأعراف: ١٧٠] وَقَوْلُهُ ﵇: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ»، وَقَوْلُهُ: «اللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» وَقَوْلُهُ: «مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ»، وَقَوْلُهُ: «إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ»، وَقَوْلُهُ. «فِي كُلِّ كَبِدَةٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ»، «وَأَمَرَ بِرَدِّ الْخَيْطِ مِنْ الْغُلُولِ» . وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ ﵇: «تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ»، وَقَوْلُهُ: «لَا تُحَقِّرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ وَجْهُك إلَيْهِ» . وَفِي رِوَايَةٍ: «وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ

1 / 156