وأولع عام ١٣٢٤ - ١٩٠٧ بفقة اللغات "الفيلولوجيا"، وأخذ يبحث عن أصول بعض الألفاظ المعربة من لغاتها الأصلية: اليونانية، والسريانية، والعبرية، والفارسية، والقبطية، والألمانية، والإيطالية، والفرنسية، وغيرها١.
لقد كان آخذا بأطراف المعرفة من كل سبب، لم يمنعه عن ذلك مخالفة في الدين أو المذهب أو العقيدة أو الطريقة، وأتاحت له حريته الفكرية أن يجول في آثار عقول الأمم، إلى اختلاف مللهم ونحلهم.
٧- حرية واضطهاده:
آمن القاسمي بالحرية وقدسها، وأحب رجالها، وعشق أبطالها، وسعي إليها، وقضى حياته كلها، هو يرى أن الإنسانية ملازمة للحرية.
ولقد كان هذا واضحًا منذ طفولته المبكرة، فعرف بين أقرانه بالتحرير من الأوهام، وتقديسه لسلطان العقل، وحرية الفكر.
ولم يكن هذا خافيًا على حكام ذلك الزمان، فلفقوا له من مطلع شبابه تهمه خطيرة هي "الاجتهاد"، وألفوا لذلك محكمة خاصة دُعي للمثول أمامها مع لفيف من العلماء فاستجوبوا جميعًا، وأطلق سراحهم، إلا القاسمي، فقد أوقف ليلة واحدة في دائرة الشرطة، ثم أخلي سبيله في الصباح.
كان هذا في عام ١٣١٣ - ١٨٩٧، وله من العمر ثلاثون عامًا.
لقد دون القاسمي وقائع المحاكمة في ترجمته لنفسه. ويغلب على ظني أن هذه الحادثة هي الحادثة الكبرى التي وقعت في أوائل القرن الرابع عشر الهجري -أواخر القرن التاسع عشر الميلادي- في البلاد الشامية.
فلم يكن في البلاد أحزاب سياسية، ولا حركات قومية، وإنما كان قوام الدولة على الخلافة ومذهب الدولة الرسمي هو المذهب الحنفي، فاتهام القاسمي بالاجتهاد مذهب
_________
١ المفكرة اليومية لعام ١٣٢٤-١٣٠٦ "مخطوط".
1 / 25