وأما الحياة الثقافية، فكانت مفقودة أو بالمفقودة أشبه، فلا مدارس ولا معاهد، ولا جامعات، والطباعة والصحابة ضعيفتان، ليس فيهما أي غناء. واعتماد القلة من الناس على الكتاتيب، وحلقات الجوامع، والدروس الخاصة في البيوت. والأمية منتشرة لأن الدولة فرضت الجهل المطلق على الناس، ليعشوا في جو من الظلام والغباء، وليس على الحكم والمستغلين أطراد الأمور في سلك من الظلم والبطش والخضوع.
وكان حال الحياة الدينية نتيجة طبعية للحياة الثقافية: جمود على القديم، وكتب صفراء يتداولها الطلاب، ومتون كثيرًا ما يحفظونها بدون فهم، وحواش وشروح وتقريرات وتعليقات تزيد في اضطراب عقول الطلاب وتشويشها.
وتقليد أعمى غلت معه العقول، فكتب الحديث لا تقرأ إلا للتبرك. وكتب التفسير ممتنعة عن الخاصة بله العامة. ولا يقرأ الناس إلا كتب الفقه التي وضعها المتأخرون. أما كتب اللغة والنحو والصرف والأدب وما إليها فيقرؤها بعض الطلاب على أنها أداة لفهم الكتاب والسنة، لا لذاتها.
وكانت الطرق، في ذلك العصر، في أوج انتشارها، يعتنقها بعض رجال الدين ويجمعون العامة حولهم، ويشغلونهم عن العمل النافع لإقامة المجتمع الإسلامي الصالح.
والحياة الاجتماعية كانت مفقودة فلا ندوات، ولا جمعيات إصلاحية، ولا حلقات اجتماعية، حتى ولا جمعيات خيرية.
والمرأة التي هي نصف المجتمع غائبة عنه، فليس لها في خدمته إلا نصيب قعيد البيت.
في هذا الجو الخانق العجيب، المتخلف في جميع مرافق الحياة، نشأ القاسمي، فكان كالطائر المغني في غير سربه، غريبًا عن أهل الزمان. ولعل هذا كله كان أدعى لإقدامه، والاقتناع بقدسية رسالته، وضرورة العمل لها، والسعي لنشرها، والمضي في تبليغها.
٦- ثقافتة العامة:
أخذ القاسمي معارفة الأولى على الطريقة المألوفة في عصره. ثم أخذت الآفاق تتسع أمامه،
1 / 22