في الهذرمة والحكمة، فالله سبحانه جعل في الإنسان قوة ناطقة معبرة عن المصالح الدينية والدنيوية ، وهي وهو ترجمان لما تلاحظه البصيرة من وعد الله ووعيده، وتخويفه وتحذيره، بها تقوم حجة الله، وبها يهتدي الخلق بواسطة العلماء المذكورين لآلاء الله تعالى ونعمه ، وعقوباته، وأمره ونهيه، وهي قوة تقارنها السكينة والعقل إذا اعتدلت فمتى قصرت عن ذلك انحط صاحبها إلى العمى ، وعدم البيان، فتضيع لذلك المصالح العاجلة والآجلة.
ومثله إذا أفرطت في صاحبها وأخرجته إلى الحمق والهذرمة، وعلامة ذلك أن تقارنها صفات النفس لشهوة الكلام خيرا كان أو شرا، بنية أو بغير نية، بخلاف الأول؛ فإنها تكون مقرونة بقصد الصلاح، أو بقصد صالح ونية حسنة، فإن هذا يكون مقصورا على الشهوة، فيمل الحاضرين، ويمقت ذلك، فالأول يؤثر صاحبها آثارا حسنة في القلوب، فتصغي إليه القلوب بأسماعها، فيكون ذلك مما يكفيه من الحكمة؛ كبذر يقع في أرض طيبة، فيكون سببا للفلاح والسعادة في الآخرة، والاغتباط والغنيمة العاجلة، وخير الأمور أوساطها.
ومثل ذلك التواضع والذلة؛ فالتواضع مقرون بصفات العقل وحسن الخلق، كما قال الله تعالى: (وأخفض جناحك للمؤمنين).
وعلامته ألا يضيع حقا لنفسه، ولا يعطي أحدا فوق ما يستحقه، بل ينزل نفسه دون منزلته قليلا، وبذلك يكون التآلف بين المؤمنين.
والتواصل والتراحم والتحابب.
ومتى فرط في هذه المرتبة انحط صاحبها إلى المهانة والذلة
صفحة ١٠٨