بعدها، فإن عقوق المريد بين الفقراء لا توبة لها، لأن تلك اللطيفة القلبية ، التي كانت تعمل على تربيته ، ويصل منها النصيب الإلهي إليه انقطعت، لأن النصيب إنما يصل إلى المريد إذا كان معظما لشيخه يهابه ، ويحترمه، ويحبه.
إذا جفاه شيخه لا يذكره بسوء، بل يعرض عن ذلك أياما ثم يعود وهو حافظ لحرمته ومنزلته من صدره، فمتى ما جاء شيخه غليظ القول، دل ذلك على سقوط منزلة الشيخ من قلبه، فتنقطع المادة الباطنة ، وتبقى المادة الظاهرة الإسلامية ، فإننا نهينا عن التقاطع والتهاجر، ومثل هذا لا ينبغي أن يصحب، بل يعطى حقه ويكتفى شره.
وينبغي للفقير أن يصحب الفقراء بالعزة والتعظيم، والحرمة والإيثار والتواضع، ويصحب الأغنياء بالغنى عنهم، وعما في أيديهم ويجعل الطلب لهم لا له، فإذا طلبوه وأحبوه لله عز وجل أجابهم، و لا يشبع من طعامهم، على موائدهم، بل يأكل لحفظ قلوبهم، فيكون أكله لحقهم، لا لحظه.
ويعمل على السكوت عندهم، فإذا كلموه أجابهم على قدر سؤالهم. ويطالبهم مطالبة الأصحاب، ولا ينزلهم من قلبه منزلة المريدين، فيحاققهم على الدقائق، فلكل مرتبة حق وجد، ولكل رجل ميزان يوزن به، فلا ينبغي أن توضع الأشياء إلا في مواضعها، فبذلك تستقيم الأمور.
صفحة ٣٥