معاملة تليق به على حسبه؛ ببذل الجهد في ذلك، فإنه قد عرف من يعامل، وكيف يعامل، فليقم بين يدي مولاه الذي يعلم سره ونجواه، بقلب منكسر، وجسم خاضع، وطرف خاشع، يعبده بعبادة يحب أن يلقاه بها، ويحسن عنده أن يعامل هذا الرب العظيم بها.
وفي هذه المعاملة تتفاوت العقول والأذواق ؛ إذ كل امرئ يحب أن يلقى ربه في عمل يناسبه، ويعظم عنده، ويزكو على غيره من الأعمال، هذا يحب أن يلقى ربه مصليا، وهذا يحب أن يلقاه مجاهدا، وهذا يحب أن يلقاه ذاكرا، وهذا يحب أن يلقاه خادما وهذا يحب أن يلقاه حاجا ومعتمرا، فيواظب على ذلك العمل بين يدي مولاه في ليله ونهاره، يتقنه إتقانا يليق عنده بربه، ويحسن عنده أن يلقاه به، لا يزال كذلك حتى يموت أو ينفذ إلى ربه.
وقد تقدم معنى النفوذ، فمن كملت له هاتان القوتان؛ العلمية والعملية، قوي في طريقه إن شاء الله، وقوي على قطع القواطع، وحجب الموانع؛ فإن القواطع كثيرة، والموانع جسيمة، وقد قيل: الوقت سيف فاقطعه وإلا قطعك، ومتى كان السير ضعيفا، والقواطع النفسانية قوية ؛ خيف على السالك النكوص والرجوع ، نعوذ بالله من العمى بعد البصيرة، ومن الرجوع عن السير وعن قوة العزيمة ، إنه أرحم الراحمين، وأكرم الأكرمين، والحمد لله رب العالمين.
وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.
صفحة ١٢٣