54 ... وبدا كأنه من مصر على بعد شهر، ثم يتقوض عرش بني طولون وتنهار الدولة.
واستدار خمارويه على عقبيه قبل أن يبلغ مصر ووجه وجهه شطر محمد بن أبي الساج، والتقى الجيشان على مقربة من دمشق، فما هو إلا أن حمل المصريون على العدو حتى أزاحوه عن مواضعه، وفرقوه شراذم، ومضى ابن أبي الساج منهزما قد خلف متاعه وثقله وعتاد جيشه، واتخذ وجهه إلى حمص
55
ليستنقذ وديعة أودعها هنالك ولكن جيش خمارويه أعجله، فمضى من حمص لم يستنقذ وديعة، وتولى نحو حلب
56 ... ثم عبر الفرات إلى الرقة ...
وأوى خمارويه إلى خيمته ليستريح، ودعا بديوداد بن محمد بن أبي الساج، وكان رهينة عند خمارويه منذ تولى أبوه الموصل، ومثل الفتى بين يدي الأمير مبهورا تكاد أنفاسه تسابق أجله مما به من الذعر والفزع، ونظر خمارويه إليه مشفقا ثم ابتسم وقال: «اذهب يا بني موفورا إلى أبيك، فحدثه أن خمارويه لا يأخذ الأبناء بغدر الآباء.»
ثم دعا صاحب خزانته فأمره أن يدفع إلى الفتى ألف دينار ويهيئ له كسوة وزادا ليلحق بأبيه.
وورد على الفتى مما رأى وسمع ما لم يخطر له على بال، فاضطربت أنفاسه في صدره وأكب على بساط خمارويه باكيا يقول: «مولاي! قد برئت من أبي فكن لي ...»
قال خمارويه: «بل اذهب إلى أبيك، فذاك أحب إلينا، وإن غدر.»
وعبر جيش خمارويه الفرات إلى الرقة فالموصل، واستطاب خمارويه المقام ثمة، فقال لغلمانه: «إن بي حاجة إلى أن أتروح من نسيم دجلة، فهيئوا لي هنا مقاما.»
صفحة غير معروفة