ومنهم شيخ من المهالبة وجارية له رحمهما الله
20 - أخبرنا أبو محمد عبد الله بن محمد الأصبهاني إجازة #83# وأخبرني أبو محمد عبد الرحمن بن محمد الغازي عنه (قال): حدثنا الحسين بن محمد البلخي (قال): حدثنا أحمد بن الليث (قال): حدثنا عمر بن محمد (قال): حدثنا أبو عياش الخولاني (قال): حدثني عبد الله الخراز (قال): حدثني إسماعيل بن عبد الله الخزاعي قال: قدم رجل من المهالبة من أهل البصرة أيام البرامكة في حوائج له، فلما فرغ منها انحاز إلى البصرة، ومعه غلام وجارية، فلما صار في دجلة البصرة؛ إذا بفتى على ساحل الدجلة عليه حلة له صوف، وبيده عكاز، ومزود. قال: فسأل الملاح إلى أن يحمله إلى البصرة، ويأخذ منه الكراء.
قال: فأشرف الشيخ المهلبي، فلما رآه رق له، فقال للملاح: قرب، واحمله معك على الظلال، فحمله، وسار. فلما كان في وقت الغداة دعا الشيخ بالسفرة؛ وقال للملاح؛ قل للفتى ينزل إلينا، فأبى عليه،
فلم يزل يطلبه حتى نزل؛ فأكلوا حتى إذا فرغوا ذهب الفتى؛ ليقوم، فمنعه الشيخ حتى غسلوا أيديهم.
ثم دعا بزكرة فيها شراب، فشرب قدحا، ثم سقى الجارية، ثم عرض على الفتى؛ فأبى، وقال: أحب أن تعفيني. فقال: قد عفوناك؛ اجلس معنا وسقى الجارية، وقال: هاتي ما عندك فأخرجت عودا لها في غشاء، فهيأته، وأصلحته، ثم أخذت؛ فغنت، قال: يا فتى تحسن مثل هذا؟ قال: أحسن ما هو أحسن من هذا، فافتتح بسم الله الرحمن الرحيم {قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا. أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة}، وكان حسن الصوت. قال: فزج الشيخ بالقدح في الماء. وقال: أشهد أن هذا أحسن مما سمعت! فهل غير هذا؟ قال: نعم، ثم قرأ {وقل الحق من ربكم فمن شاء #85# فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}. قال: فوقعت من قلب الشيخ موقعا، فأمر بالزكرة؛ فرمى بها في الماء، وأخذ العود؛ فكسره، ثم قال: يا فتى فهل هاهنا من فرج؟ قال: نعم فقرأ {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم}. قال: فصاح الشيخ صيحة خر مغشيا عليه، فنظروا؛ فإذا الشيخ قد ذاق الموت، وقد قاربوا البصرة. قال: فرج القوم بالصراخ، واجتمع الناس، وكان رجلا من المهالبة معروفا، فحمل إلى منزله، وأخرجوا جنازته، فما رأيت جنازة كان أكثر جمعا منها.
قال: وبلغني أن الجارية المغنية تدرعت الشعر، وفوق الشعر جبة صوف، وجعلت تقوم الليل، وتصوم النهار، فمكثت أربعين #86# ليلة، ثم مرت بهذه الآية في بعض الليل {وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}. قال: فأصبحوا؛ فأصابوها ميتة.
صفحة ٨٢