قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
الناشر
دار الفضيلة،الرياض
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣هـ/٢٠٠٢.
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
لقول الله ﷿: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا﴾، ولو وُجد العملُ خالصًا لله لكنَّه لَم يُبْنَ على سُنَّة، بل بُنِيَ على البدع والمحدثات فإنَّه مردودٌ على صاحبه؛ لقوله ﷺ في الحديث المتَّفق على صحَّته عن عائشة ﵂: أنَّ النَّبِيَّ ﷺ قال: "مَن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ"، وفي لفظ لمسلم: "من عمل عملًا ليس عليه أمرُنا فهو ردٌّ"، أي: مردودٌ عليه غير مقبول منه.
ولا يُقال: إنَّ العملَ إذا كان خالصًا لله، ولم يكن مبنيًّا على سُنَّة، وكان قَصدُ صاحبه حسنًا أنَّه محمودٌ ونافعٌ لصاحبه، ومِمَّا يدلُّ على ذلك أنَّ الرَّسولَ الكريم ﷺ قال للصحابيِّ الذي ذبح أُضحيتَه قبل صلاة العيد: "شاتُك شاةُ لَحم"، فلَم يعتبرها رسول الله ﷺ أُضحيةً؛ لأنَّها ذُبحَت قبل ابتداء وقت الذَّبح الذي يبدأ بعد صلاة العيد، والحديثُ أخرجه البخاري (٥٥٥٦)، ومسلم (١٩٦١)، وقد قال الحافظ في شرحه في الفتح (١٠/١٧): "قال الشيخ أبو محمد بن أبي جَمرة: وفيه أنَّ العملَ وإن وافق نيَّةً حسنةً لَم يصحَّ، إلاَّ إذا وقع على وفق الشَّرع".
وفي سنن الدارمي (١/٦٨ ٦٩) أنَّ عبد الله بن مسعود ﵁ وقف على أناس في المسجد مُتحلِّقين وبأيديهم حصًى، يقول أحدهم: كبِّروا مائة، فيُكبِّرون مائة، فيقول: هلِّلوا مائة، فيُهلِّلون مائة، ويقول: سبِّحوا مائة، فيُسبِّحون مائة، فقال: "ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا: يا أبا عبد الرحمن! حصى نعدُّ به التكبيرَ والتهليلَ والتسبيحَ، قال: فعُدوا سيِّئاتكم فأنا ضامنٌ أن لا يَضيعَ من حسناتكم شيءٌ، وَيْحَكم يا أمّة محمد! ما أسرع هلكتكم! هؤلاء صحابةُ نبيِّكم ﷺ متوافرون، وهذه ثيابُه لم تَبْلَ، وآنيتُه لم تُكسر، والذي نفسي بيده إنَّكم لَعلَى مِلَّةٍ هي أهدى من مِلَّة
1 / 60