قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني
الناشر
دار الفضيلة،الرياض
رقم الإصدار
الأولى
سنة النشر
١٤٢٣هـ/٢٠٠٢.
مكان النشر
المملكة العربية السعودية
تصانيف
والكبائر تُكفِّرُها التوبةُ؛ قال الله ﷿: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ﴾، وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ﴾، وقال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾ .
وللتوبة النَّصوح شروطٌ ثلاثة:
الأول: أن يُقلعَ عن الذنب بأن يتركه ويبتعد عنه.
الثاني: أن يندمَ على ما مضى من فعل الذنب.
الثالث: أن يعقدَ العزم على أن لا يعودَ إليه.
وإذا كان الذنب يتعلَّق بحقوق الآدميِّين فيُضاف إلى ما تقدَّم شرطٌ رابع، وهو أن يَردَّ الحقوقَ إلى أهلها إن كانت أموالًا، أو يستبيحَهم منها إذا كانت غيبة لهم أو كذبًا عليهم، ونحو ذلك، قال الله ﷿: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، وقال: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾، والآيةُ تدلُّ على أنَّ الكفرَ وهو أعظمُ الذنوب يغفره الله بالتوبة منه، والانتهاء عنه، وكلُّ الذنوب دون هذا الذنب فهي أولَى بالمغفرة إذا تيبَ منها.
والكبيرةُ إذا كان لها حدٌّ في الدنيا وأُقيم على مَن ارتكبها، كان ذلك كفَّارةً له؛ لأنَّ إقامةَ الحدود عند أهل السُّنَّة والجماعة فيها جبر النَّقص، وفيها أيضًا الزَّجر لِمَن أُقيم عليه الحد وغيره عن فعل تلك الكبيرة، ويدلُّ
1 / 121