مد لها كمال يديه متورد الوجه من السرور، فأقبلت نحوه، فرفعها بين يديه حتى أقرها في حضنه، وراح يقبل خديها في حنان وتأثر شديدين. كان بهذا الحب سعيدا فخورا، ليست التي بين يديه إلا فلذة من جسد الأسرة؛ فهو يضم الكل إذ يضم الجزء إلى صدره، هل أمكن اتصال العبد بمعبوده إلا عن وساطة كهذه الوساطة؟ ... والسحر كل السحر في هذا الشبه الغريب بين الطفلة وشقيقتها، كأن المطمئنة إلى صدره عايدة نفسها في طور من أطوار حياتها الماضية، كانت يوما مثل بدور سنا، وحجما، وجودا فتأمل! ... فليهنأه هذا الحب الطاهر ... ليسعد بعناق جسم تعانقه هي ... وبتقبيل وجنة تقبلها هي ... وليحلم حتى يشرد منه العقل والقلب، إنه يدري لم يحب بدور ولم يحب حسين ولم يحب القصر وحديقته وخدمه، إنه يحبها جميعا إكراما لعايدة، أما الذي لا يدريه فهو حب عايدة نفسها! ... رددت عايدة عينيها بين حسن سليم وإسماعيل لطيف، ثم سألتهما: كيف وجدتما الإسكندرية؟
فقال حسن: رائعة.
على حين تساءل إسماعيل: ماذا يجذبكم إلى رأس البر دواما؟
فقالت بصوت رخيم مشربة نبراته بعذوبة موسيقية: صيفنا مرات في الإسكندرية، ولكن الاصطياف لا يطيب لنا إلا في رأس البر، هنالك الهدوء، والبساطة، وألفة لا تجدها إلا في بيتك.
فقال إسماعيل ضاحكا: من سوء الحظ أن الهدوء لا يطيب لنا.
ما أسعده بهذا المنظر! ... هذا الحديث ... هذا الصوت. تأمل أليست هذه هي السعادة؟ فراشة كنسمة الفجر تقطر ألوانا بهيجة، وترشف رحيق الأزاهر ... هذا أنا، لو يدوم هذا الموقف إلى الأبد.
قالت عايدة: كانت رحلة ممتعة، ألم يحدثكم حسين عنها؟
قال حسين بلهجة انتقادية: بل كانوا يتناقشون في السياسة.
فالتفتت ناحية كمال قائلة: هنا شخص لا يحلو له إلا حديثها.
من عينيها نظرة تلقى إليك كالرحمة، صفاؤها يجلو روحا ملائكيا، بعثت كما يبعث عباد الشمس في ضوئها المشرق، لو يدوم هذا الموقف إلى الأبد! - لم أكن المسئول عن إثارة المناقشة اليوم.
صفحة غير معروفة