ثم موجها الخطاب إلى حسن سليم: أما أنت فلعلك مشغول منذ الآن بما بعد الليسانس؟
كان حسن سليم بالسنة النهائية بمدرسة الحقوق، فأدرك أن إسماعيل لطيف يدعوه إلى إعلان رأيه فيما ينويه عقب الفراغ من الدراسة، غير أن حسين شداد سبقه إلى الرد على إسماعيل قائلا: لا داعي لأن يشغل نفسه، سوف يحصل حقا على وظيفة في النيابة أو في السلك السياسي.
خرج حسن سليم عن هدوئه المتسم بالكبرياء، ولاح في وجهه الحسن الدقيق القسمات التحفز للنضال، فتساءل متحديا: من أين لي بما يجعلني أطمئن إلى رأيك؟
وكان يعتز باجتهاده وذكائه، ويريد الجميع أن يقروا له بهما، ولم يكن أحد يماري في ذلك، ولكن لم يكن أحد كذلك ينسى أنه نجل سليم بك صبري المستشار بمحكمة الاستئناف، وأن تمتعه بهذه الأبوة ميزة يفوق أثرها كل ما للذكاء والاجتهاد من أثر، بيد أن حسين شداد تحاشى ما يهيجه، فقال: في تفوقك الضمان الذي تسأل عنه.
ولم يتركه إسماعيل لطيف كي يستمتع بإطراء حسين له، فقال: وهناك والدك، وهو فيما أعتقد أهم من التفوق بكثير.
ولكن حسن قابل الهجوم باستماتة غير متوقعة، إما لأنه مل مناجزة إسماعيل الذي لم يكد يفترق عنه يوما طيلة اصطيافهما بالإسكندرية، وإما لأنه بات يرى في صاحبه مشاكسا «محترفا» لا يصلح أن يأخذ أقواله دائما مأخذ الجد. على أن رابطة الأصدقاء لم تكن تخلو من نقار جدلي يبلغ أحيانا حد الشغب دون أن يوهن من قوتها. تساءل حسن سليم وهو يرمق إسماعيل متهكما: وأنت كيف انتهى سعي الساعين لك؟
ضحك إسماعيل ضحكة عالية، كشف عن أسنانه الحادة المصفرة من أثر التدخين الذي كان من أوائل رواده من تلاميذ الثانوي، وقال: نتيجة لا تسر، لم تقبلني الطب ولا الهندسة لنقص المجموع، فلم يبق أمامي إلا التجارة والزراعة، فاخترت أولاهما.
لاحظ كمال في تأثر كيف تجاهل صاحبه مدرسة المعلمين كأنما ليست في الحسبان، غير أنه وجد في إيثاره لها، مع قدرته على دخول الحقوق التي لا نزاع في مكانتها، وجد في ذلك مثالية تعزى بها على حزنه ووحشته، ضحك حسين شداد ضحكته اللطيفة التي تجلو جمال ثغره وعينيه، وقال: آه لو اخترت الزراعة! تصوروا إسماعيل في حقل يقضي عمره بين الفلاحين.
قال إسماعيل بقناعة: لا علي من هذا لو كان الحقل في عماد الدين.
عند ذاك نظر كمال إلى حسين شداد متسائلا: وأنت؟
صفحة غير معروفة