فتناولت الكأس تأدبا ثم أعادتها إلى المائدة، وهي تغمغم «أشكرك»، فتراجع إلى مجلسه وقعد، ثم رفع كأسه إلى شفتيه وتجرعها دفعة واحدة وقهقه ضاحكا.
أكان في وسعك أن تتوقع هذه المفاجأة؟ لو أستطيع أن أرجع في الزمن ربع ساعة إلى الوراء، زنوبة ... زنوبة ... ولا شيء غير زنوبة، فهل تصدق ذلك؟ لا تتشتت حيال الصدمة، من يدري لعله دلال موضة 1924 يا حمصاني 1900 ماذا تغير في؟ لا شيء، لكنها زنوبة، أليس ذلك هو اسمها؟ ... لكل رجل حتما من امرأة تعرض عنه، وما دامت زبيدة وجليلة وأم مريم يسعين إليك فمن غير زنوبة - هذه الخنفساء - تعرض عنك؟ تحمل حتى تحتمل، ليس الأمر على أي حال بكارثة، آه، انظر، انظر، ساقها مليحة مدملجة، أساسها متين، لم تظن أنها أعرضت عنك حقا؟ - اشربي يا حلوة.
قالت بصوت يجمع بين الأدب والحزم: عندما يروق لي الشراب.
فسدد نحوها بصره، ثم تساءل بلهجة ذات معنى: ومتى يروق لك ...؟
فقطبت معلنة عن مدى فهمها لإشارته، ولم تجب.
تساءل السيد، وكان يشعر في تلك اللحظة بأنه يتدهور: ألم يصادف توددي القبول؟
فطامنت من رأسها لتخفي وجهها عن عينيه، وقالت برجاء حازم: هلا كففت عن هذا؟
تملكه غضب فجائي فجاء كرد فعل لإحساسه بالتدهور، فتساءل داهشا: لم تجيئين إلى هنا؟
قالت باحتجاج، وهي تشير إلى العود المستلقي على الكنبة غير بعيد عنه: أجيء من أجل هذا. - فقط؟ ... لا تناقض بين هذا وبين ما أدعوك إليه.
تساءلت باستياء: بالقوة؟
صفحة غير معروفة