205

قصر الشوق

تصانيف

ودس يده في جيبه فأخرج نصف ريال ثم أعطاه المرأة، فهتف ياسين بإعجاب: تحيا الشهامة! لكنني لن أتركك وحدك.

وربت كتف وردة مودعا، ثم تأبط ذراع كمال وذهبا معا حتى غادرا البيت، قال ياسين: يجب أن نحتفل بهذه الليلة، فلنمض بعض الوقت في بار، إني عادة أشرب في شارع محمد علي مع نفر من الموظفين وغيرهم، ولكن المكان غير مناسب لك فضلا عن بعده، فلنختر مكانا قريبا حتى نتمكن من العودة مبكرين، بت حريصا مثلك على العودة المبكرة منذ زواجي الأخير، أين سكرت يا بطل؟

غمغم كمال في حياء: فنش. - عال! هلم بنا إليه، تمتع بوقتك دون تهاون، فغدا حين تصبح معلما سيتعذر عليك زيارة هذا الحي ببيوته وحاناته، (ثم وهو يضحك): تصور أن يلقاك هنا أحد تلاميذك! على أن ميدان اللهو واسع وسوف تتدرج فيه من حسن إلى أحسن.

ومضيا إلى فنش صامتين. كان من حسن الحظ أن العلاقة بين ياسين وكمال لم تفتر بعد هجرة ياسين للبيت القديم. ولم يكن بينهما كلفة؛ إذ كان من طبع ياسين ألا يعنى بحقوقه التي تكفلها له مكانته في الأسرة، إلى أن مخالطة كمال له واطلاعه على سيرته عن كثب واستماعه إلى ما يقال عنه جعلته يؤمن بولع أخيه بالنساء وميله مع الأهواء، ولكنه رغم هذا كله قد بوغت بلقائه في بيت وردة مباغتة عنيفة؛ إذ لم يذهب به الخيال إلى حد تصور ياسين سكيرا أو متسكعا في هذا الدرب! وبمرور الوقت أخذ يتخفف رويدا رويدا من وقع المفاجأة، كما مضى الشعور بالانزعاج يزايله، ثم حل محله إحساس بالطمأنينة بل بالارتياح. ولما بلغا فنش وجداه مكتظا بالجلوس، فاقترح ياسين أن يجلسا في الخارج، واختار مائدة عند طرف الطوار على ناصية الطريق ليبتعدا ما أمكن عن الناس، ثم جلسا متقابلين وهما يبتسمان: أشربت كثيرا؟

أجاب كمال بعد تردد: كأسين. - لا شك أن لقاءنا غير المتوقع طير أثرهما، فلنعد الكرة، أما أنا فلا أشرب إلا قليلا، سبعة أو ثمانية. - يا خبر! أيعد هذا قليلا؟ - لا تدهش كالسذج، فإنك لم تعد ساذجا. - على فكرة، قبل شهرين لم أكن أدري شيئا عن طعمها.

فقال ياسين كالمستنكر: شهرين! يبدو أني احترمتك أكثر مما تستحق.

وضحكا معا. ثم طلب ياسين كأسين. وعاد يتساءل: ومتى عرفت وردة؟ - عرفت وردة والويسكي في ليلة واحدة. - وما خبرتك بالنساء عدا ذلك؟ - لا شيء.

فحنى ياسين رأسه وهو ينظر إليه من تحت حاجبيه مقطبا في ابتسام، كأنما يقول له: «اطلع من دول»، ثم قال: إياك وادعاء البلاهة، لم يفتني أن أطلع في زمن مضى على مناورات كانت تدور بينك وبين بنت أبو سريع صاحب المقلى، تارة بالعين، وتارة بالإشارة، هه؟ هذه الأمور لا تخفى على الخبير يا عكروت، ولكن لا شك أنك قنعت بالعبث السطحي حتى لا تجد نفسك مضطرا إلى مصاهرة عم أبو سريع، كما صاهرت حماتي السابقة بيومي الشربتلي، هه؟ وها هو قد أصبح من ذوي الأملاك وجاركم الملاصق. ترى أين اختفت مريم؟ لا أحد يعلم عنها شيئا، كان أبوها رجلا طيبا. ألا تذكر السيد محمد رضوان؟ فانظر ما آل إليه بيته؟ لكنها الأخلاق لا تستهين بها امرأة إلا هانت!

فما تمالك كمال أن ضحك متسائلا: والرجل ألا يلحقه من استهانته شيء؟

فضحك ياسين ضحكته الكبيرة، وقال: الرجل غير المرأة يا طويل اللسان، خبرني كيف حال والدتك؟ الست الطيبة، ألا زالت حانقة علي حتى بعد طلاق مريم؟ - لا أظنها تذكر شيئا من الأمر كله، قلب أبيض كما تعلم.

صفحة غير معروفة